يبدو أنّ الأحزاب اللبنانيّة قد فقدت الأمل من تسجيل أيّ خرق في الداخل اللبناني. وهذا ما دفع حزب “القوات اللبنانيّة” إلى التحرّك من خارج لبنان عبر تحريكه الانتشار اللبناني كلّه، وبأطيافه كلّها، بدءاً من دول القرار، وصولاً إلى البرلمان الأوروبي، والأمم المتّحدة، والفاتيكان، وجامعة الدّول العربيّة. وذلك برفع مذكّرة سياسيّة تضمّنت وثيقة من أربع نقاط اعتبرتها “القوّات” المفتاح الأساسي للحلّ في لبنان. فهل ستستطيع “القوات اللبنانيّة” أن تفتح كوّة في جدار الأزمة اللبنانيّة عبر الانتشار اللبناني؟ أم أنّ طرحها الانتخابي سيشكّل عماد الحلّ الجوهري للأزمة اللبنانيّة؟
من المعروف في لبنان أنّ “القوّات” هو حزب ديمقراطي جمهوري كتلته من أكبر الكتل في البرلمان اللبناني من حيث الحجم، وهو لم يستقل من المجلس النيابي إيماناً منه بمتابعة مسيرة المقاومة السياسيّة من داخل مؤسسات الدّولة. ويُشهَدُ لرئيسه ولصلابته بعدما قضى أحد عشر عاماً في المعتقل السياسي، كيف خرج لينظّم حزبه حتّى بات اليوم من أصلب الأحزاب اللبنانيّة الفاعلة في الحياة السياسيّة.
والمفارقة كانت في التنظيم القوّاتي، عندما استطاع أن يحمل هذا الحزب قضيّته إلى الانتشار اللبناني فشكّل أكثر الأحزاب فاعليّة خارج لبنان. ولقد ثبّت هذا الانتشار مرّة جديدة نفسه عندما تحرّك نحو دول القرار، وفي الدّول التي ينتشر فيها اللبنانيّون رافعاً مذكّرة كناية عن وثيقة تتضمّن بنوداً أربعة: الاحتياطي الالزامي، لجنة تقصّي حقائق، حياد لبنان، قضيّة اللجوء السوري إلى لبنان.
ولعلّ هذه البنود الأربعة هي الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى اللبنانيين جميعهم لأنّها تنطلق أولاً من الحفاظ على مدّخراتهم، بالنسبة إلى موضوع الاحتياطي الإلزامي، فضلاً عن سعي اللبنانيّين جميعهم إلى كشف حقيقة ما حدث في الرابع من آب. ويبدو أنّ التطلّع نحو مشروع حياد لبنان بدأ يأخذ مشروعيّته من معظم الشرائح اللبنانيّة التي تداعت إلى البحث عن صيغ الحياد المطبّقة في العالم، لا سيّما وأنّه أكثر من 62 بياناً وزارياً من بعد استقلال لبنان 1943 نصّت على حياد لبنان بطريقة أو بأخرى. كذلك كي لا تأخذ مسألة اللجوء السوري إلى لبنان الأبعاد نفسها التي اتّخذها اللجوء الفلسطيني، حتّى بات يهدّد بنسف التركيبة الديمغرافيّة التي قامت عليها فلسفة وجود لبنان.
ومن المهمّ ربط الأزمات في المنطقة بعضها ببعض لأنّها على صلة تتعلّق بالوجود. ففي إسرائيل يبدو أنّ معضلة تشكيل الحكومة ستجد طريقها إلى الحلّ. والانتخابات السوريّة كما الإيرانيّة محسومة التوجّه. والمفاوضات السعوديّة – السوريّة يبدو أنّها ستصل إلى توافق ما في القضايا التي تزعج أمن السعوديّة، أي أزمة اليمن. ناهيك عن المفاوضات الأميركيّة – الايرانيّة التي تمّ التسويق ظاهريّاً إلى قرب الانتهاء من الاتّفاق في المرحلة الأولى.
هذا ما يؤشّر إلى نيّة المجتمع الدّولي في تبريد سخونة المنطقة، لكن على ما يبدو أنّ اللاعبين الأساسيّين فيها لا مصلحة لديهم في التبريد. لذلك ستقدم المنطقة على تحرّكات قد تقلب المعادلات كافّة. من هنا، على اللبنانيّين أن يستفيدوا من هذا المومنتوم، من خلال العمل على استعادة ما فقدوه نتيجة لتموضع السلطة السياسيّة اللبنانيّة في المحور الإيراني.
وذلك لن يكون إلا على مسارين:
– إعادة وضع لبنان على سلّم الأولويّات الدّوليّة في المنطقة للوصول إلى المؤتمر الدّولي الذي طرحته بكركي، حتّى يتمكّن لبنان من النهوض إقتصاديّاً وسياسيّاً ووجوديّاً.
– الضغط على هذه الأكثريّة للوصول إلى الانتخابات النيابيّة. وقد تهرب هذه السلطة بحكومة محدّدة المهام بالانتخابات النيابيّة على ألا تمسّ بالملفّات الإصلاحيّة وتترك حينها إلى الحكومة الجديدة، بعدما أيقنت جدّيّة المجتمع الدّولي في ضرورة إجراء الانتخابات، وخطورة الوضع محليّاً في حال عملت هذه السلطة على تعطيلها.
ويبقى البحث عن شخصيّة الاطفائي الذي سيحمل كرة النار الانتخابيّة بيديه العاريتين بعدما تكوّنت قناعة شبه تامّة عند معظم الفرقاء، بأنّ الحلّ الوحيد لن يكون إلا وفق القاعدة التي طرحها “القوّات”. لذلك كلّه، قد تستفيد هذه السلطة من فترة التهدئة التي يُعمَلُ على بثّها بتسهيل ولادة حكومة للمهام الانتخابيّة حتّى تنصرف لتحسين نقاط ضعفها، لا سيّما في الساحة المسيحيّة، كي لا يُعَرّى مشروعها من الغطاء المسيحي. بينما على قوى المعارضة السياسيّة أن تعمل على خلق جبهة مواجهة كي لا تخوض هذه الانتخابات فرادة. كذلك، التنسيق مع مجموعات الثورة، لا لتطويق بعض الفرقاء، كما يسعى بعض الشعبويّين، بل لتحصين الجبهة السياديّة الاصلاحيّة لإنقاذ ما تبقّى. عدا ذلك، لا سبيل إلى الإنقاذ. ومن له أذنان للسماع فليسمع !