IMLebanon

طريق للخروج من النفق: إسقاط حق الإنتخابات عن الطبقة الفاسدة!

 

من العبث بالمنشآت إلى الرهانات الخاطئة

 

هجوم الغاضبين على فروع المصارف أو فرع مصرف لبنان، وتحطيم ما يمكن تحطيمه، يعبّر عن غضب آني، هو شحنة اعتراض قوية، تُفرغ في غير مكانها، وحتى زمانها، وأي عمليات تهديم وتخريب، عن حسن نية أو سوء نيّة، لا يخدم أهداف الفاعلين، لا من قريب ولا من بعيد..

ad

 

الإنتقام من الأشياء الجامدة، حتى ولو كانت من نوع ATM، بامكانك أن تسحب المال عبره، ليس الطريق للوصول إلى الهدف.. دلت التجربة التاريخية منذ قيام الثورة الصناعية، وظهور الحركة الاحتجاجية ضد الاستغلال، وأبعد من ذلك، عندما حلت الآلة مكان الإنسان في الإنتاج، ولجأ الحرفيون، والمهرة، الذين فقدوا مهنهم، التي كانوا يعتاشون منها، وتحولوا إلى «بروليتاريا» صناعية، لا تملك إلَّا قوة عملها، في المصانع التي بدأت تكبر وتخلق رؤوس أموال كثيرة، فضلاً عن إنتاج كميات من السلع بالمئات والألوف إلى الملايين، تبعاً ليس لحاجة السوق المحلي، بل الإقليمي والعالمي، ان الحرب ضد الآلة، وظهور «الحركة الفوضوية» في الحركة العمالية ليست هي الحل، بل بالتنظيم النقابي، واعتبار الحقوق الاجتماعية الفردية حقوقاً مترتبة بقوة العمل والنظام، قبل ان تتحوّل إلى تشريعات..

 

ليس بوسع المراقب، أو المتابع، أو حتى الحريص على استقرار مجتمعة إلَّا ان يتحمس لحماس هؤلاء الشبان الذين يرفعون الصوت ضد ارتفاع الدولار، وهيمنة قوى الأمر الواقع، وتجار الاحتكار، ونهبة ودائع النّاس، وحرمانهم من أبسط الخدمات في مجتمع مدني حديث: الطبابة، الماء، الكهرباء، التعليم، فضلاً عن فرص العمل..

 

لكن المثير للحزن والاحباط، في وقت واحد، هو رمي المستوعبات في الطريق، أو قطع الشوارع أمام النّاس، لأن الزعماء، العابثين، والمارقين، بامكانهم المرور متى شاءوا، وتغليب عناصرهم المسلحة، على النّاس الآمنين..

 

والمثير، هو الاعتقاد بالتجمع الظرفي، هنا وهناك، لتوجيه رسائل، إلى غير العناوين الصحيحة..

 

المأزق اليوم، ليس مأزق السلطة فقط، فالسلطة التي سارت بنهج معروف: تقاسم، تشبيح، سلب، مغامرة، الحصة أولاً، التناتش، سوء الائتمان، وصلت إلى حيث يجب أن تصل.. أساءت استخدام التفويض، فبدل العناية بمصالح من انتخبوها، ركزت على العناية بمصالح الزعماء، والبطانة، والمقربين، وعناصر الأمن الميليشياوي، بوصفها قوة ضاربة..

 

ودلت الوقائع ان الطبقة التي تمارس السلطة، ليس من زاوية كونها ميليشيات، ودويلات داخل دولة، بل هي تمتلك، من زاوية ما تزعم «شرعية انتخابية» أو شرعية شعبية.

 

ومن الزاوية هذه، تسعى إلى تقديم حلول، سواء عبر الوزراء، أو اللجان النيابية، أو حتى الجلسة التشريعية، فضلاً عن «المستشارين الممتازين» الذين يمعنون في تقديم «الاستشارات القاتلة» للوفاق والدستور، وحتى مصالح النّاس. دلت الوقائع، مع اقتراب حركة 17ت1 (2019) من نهاية عامها الثاني، أن السلطة فشلت، وكابرت، وتمزقت، وعجزت عن إعادة إنتاج حكومة جديدة، وأكثر من ذلك تزايدت الأزمة، في المصارف، والنقد والعمل، وارتفاع الأسعار، وفقدان الأدوية، واجتراح اعجوبة صف السيّارات بأصحابها وركابها بالطرقات طوابير للحصول على «بضع سوائل» من البنزين أو المازوت، مع التمهيد لأزمة جديدة، هي أزمة الغاز المنزلي.

ad

 

كبرت الأزمة، وازداد الخناق على ركاب البشر والحجر، في هذا البلد المسكين، وصارت القوى الأمنية والعسكرية، معنية بفك «الاشتباك الأهلي» عند محطات المحروقات، وفي الطرقات التي تحصد حوادث السير والقتلى والجرحى، وكأن القدر هو الذي فرض على هذا البلد ضريبة الجغرافيا (سوريا- اسرائيل) فالنكبة نكبت البلد باللاجئين الفلسطينيين، والحرب السورية، نكبت البلد وتنكبه كل يوم بما يسمى «النازحين السوريين».. ناهيك عن التدخلات الإقليمية والدولية الفاضحة.

 

الخلاصة في ما خصَّ الطبقة السياسية، أن الرهان على أي دور لها، هو بمثابة المضي في الإنتحار، وقذف البلد إلى طريق اللاعودة، لا إلى النهوض، ولا للاستقرار.

 

وهنا، تقتضي المواجهة المقبلة، سواء في الشارع، أو المجتمع، أو على مستوى النقابات، التي عليها ان تجدَّد رهاناتها على الجسم الاجتماعي، والتأثيري داخلها، ألَّا تكون الانتخابات معبراً لتكوين سلطة بديلة، ما لم تقص الطبقة السياسية، بكل تياراتها، وحتى احزابها، أو زعماء الطوائف المتحكمة برقاب القرار وتبعاته عن الانتخابات..

 

لأن إعطاء الفرصة لهؤلاء ان ينظموا الانتخابات ويشاركوا فيها، هو بمثابة «صك براءة» من الأفعال الجرمية، التي ترتبت خلال توليهم المسؤولية تجاه الشعب والمجتمع، ومصير البلد ككل..

 

هذه مسألة جوهرية في حسم الانعطافة، وتثمير ما حصل، لإعادة إنتاج ممارسة جديدة في النظام، المسألة أبعد من محاربة الفساد، أو الشفافية أو الحوكمة.. المسألة.. كيف يستقيم نظام اجتماعي أو سياسي أو حتى اقتصادي من دون محاسبة أو مراجعة..

 

على القوى الحيًّة في المجتمع، ليس المدني، المجتمع المتضرّر من الانهيارات، ان تمتلك الشجاعة، وتعيد تنظيم الأولويات، والشعارات، والتحركات.. قبل فوات الأوان..

 

تمضي قوى «النظام القديم» البائد في ضوء النتائج، في تقديم نفسها كمنقذة من الأزمات.. وتتقاذف طبقة الحكام، داخل النسق الذي تعمل فيه الاتهامات، علناً، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام، والدستور، والوزارة واللجنة النيابية..

 

الشرط الأول، لتنظيم انسحاب مريح لطبقة الحكام الفاسدة، (وكلها فاسدة) هي ببناء إطار عام، بجمع قوى الحراك الحيَّة مع القوى العسكرية، والقوة القضائية، والقوة النقابية، في إطار واحد، تحت شعار: لا انتظام حياة ولا مجتمع قبل اعتزال هؤلاء المتسببين بالأضرار الكبرى، العمل السياسي..

 

لا حاجة للملاحقات، أو المحاسبات في بلد مثل لبنان.. والمهم اقصاء الطبقة السياسية بقوة الموقف الحاسم: وحدة القوى المتضررة من السياسات الخطيرة التي قادت البلد إلى حيث ما وصل، هو الطريق الأقصر لوقف الانهيار، وتجنب الانفجار، عبر عصيان عام، بعد إضراب حقيقي لإخراج الفاسدين الحاكمين من نظام الحكم أولاً!