IMLebanon

المطلوب بلورة قناعة دوليّة انتخابيّة

 

ما زال المجتمع الدّولي مقتنعاً بضرورة تشكيل حكومة في لبنان، وهذا الموقف يتلاقى مع موقفي بكركي والفاتيكان اللّذين بحسب رأييهما لا شيء يحول دون تشكيل الحكومة اللبنانيّة. والهدف من ذلك هو استقامة الحياة السياسيّة وكبح الانهيار الاقتصادي المتسارع. وتأتي العقوبات الأوروبيّة التي من المفترض أن تصدر قريباً على اللبنانيّين المعرقلين للحلّ، في السياق عينه. لكن لماذا لا يدفع المجتمع الدّولي نحو عمليّة انتخابات نيابيّة مبكرة لتغيير هذه السلطة بالكامل؟

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ غياب السلطة التنفيذيّة من خلال ممارسة الديموقراطيّة التعطيليّة، كما دأبنا على توصيف هذه الحالة دائماً، هو من أبرز الأسباب التي سرّعت وتيرة الانهيار، وعقّدت في الحلول المرتقبة أكثر فأكثر. لكنّ المجتمع الدّولي ما زال يدفع باتّجاه إعادة تكوين السلطة التنفيذيّة للقيام بإصلاحات مطلوبة تحت راية البنك الدّولي. وهذا ما ترفضه ضمناً منظومة السلاح والفساد المتسلّطة على الحكم بفعل الانقلاب على الدّيموقراطيّة.

 

وهذا ما يطرح عدّة تساؤلات حول تمسّك بكركي والفاتيكان بهذا الطرح، إذ لا يريان أولويّة في عمليّة الانتخابات المبكرة حتى هذه الساعة. وهذا ما يجب على قوى التغيير الحقيقيّة في لبنان العمل على تبديله انطلاقًا من بوّابة بكركي. ولا ينتظرنّ أحد أيّ تعديل في سلوك هذه المنظومة نتيجة لأيّ عقوبات قد تصدر أوروبيّاً أو حتّى أميركيّاً. فهذه العقوبات لن تؤمّن الدّواء، ولا حليب الأطفال، ولا البنزين، ولا الكهرباء، بل جلّ ما ستتركه المزيد من الانعكاسات السلبيّة التي ستأتي انتقاماً وكردّة فعلٍ على ما سيقوم به المجتمع الدّولي من قبل المنظومة الحاكمة.

 

فالحصار على أهل هذه المنظومة سينعكس سلباً على اللبنانيّين جميعهم، وهؤلاء قوم لا يعرفون للحياء سبيلاً. فإذا كان ينتظر المجتمع الأوروبي أو الدّولي من هؤلاء أن يتنحّوا من تلقاء أنفسهم، كما يحدث في المجتمعات الأوروبيّة والأميركيّة، فهذه المسألة هي من رابع المستحيلات مع هكذا صنف من أصناف البشر. وآخر إبداعات هذه المنظومة التحايل على القضاء من خلال رفض إقرار رفع الحصانات تحت ذرائع لا يقبلها أيّ عقل سويٍّ.

 

لن تسمح هذه المنظومة لأيّ حكومة بأن تتشكّل، بغضّ النظر عن رئيسها. وعلى ما يبدو أنّ قناعة الاعتذار تتزايد يوماً بعد يوم عند الرئيس المكلّف؛ على أمل أن يكون قد بات من المقتنعين بضرورة إجراء الانتخابات النيابيّة بأقرب فرصة ممكنة. وما يبحث عنه المجتمع الدّولي اليوم هو شخصيّة الإطفائي الذي سيأخذ بصدره إطفاء حريق بيروت قبل أن ينفجر لبنان كلّه بوجهه. فالإسم المطلوب لمهمّة التكليف إن كان من هذه المنظومة، فهو لن يقدّم أيّ شيء للبنان، حتى لو استطاع تكوين فريق عمل من الاختصاصيّين، إلا أنّهم لن يكونوا مستقلّين بالمطلق، وهذا ما سيعيق أيّ مهمّة إصلاحيّة، وستقف هذه الحكومة عند حدّ فرملة التّدهور الاقتصاديّ جزئيّاً، وستكون بمثابة قرص الأسبيرين لمريض السرطان.

 

وهذا ما يجب شرحه لبكركي بالمباشر من خلال وفود سياسيّة لبنانيّة كيانيّة وسياديّة تنطلق من مدخل استعادة السيادة على لبنان كبوّابة لمعالجة الأزمات كلّها. وهذا ما يجب أن يكون بمواكبة من الانتشار اللبناني الذي سبق له وتحرّك بوثيقة من أربعة بنود: لجنة تقصّي حقائق دوليّة، والحفاظ على الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان، وقضيّة اللاجئين والنازحين السوريّين وغيرهم، والحياد اللبناني والمؤتمر الدّولي. على أهميّة هذه البنود، يجب إضافة بند خامس إليها لا يقلّ أهمية عن البنود الأربعة تحت عنوان واحد: الانتخابات النيابيّة، مدخل لتغيير السلطة السياسيّة والمنظومة الحاكمة. وذلك لتكوين قناعة دوليّة بضرورة إجراء هذه الانتخابات التي على ما يبدو أنّ المجتمع الدّولي غير مقتنع بأنّ الأكثريّة السياديّة قادرة على تحقيق هذا الخرق.

 

من هنا، وبعد استعادة الوصل الخليجي مع لبنان عبر البوابة السعوديّة من مدخل معراب لبنانيّاً، وسفيرتي الولايات المتحدة وفرنسا دوليّاً، يجب الضغط على الساسة الذين يدورون في الفلك العربي الحرّ لتصبح الانتخابات النيابيّة أولويّة عندهم. ويبدو أنّ هذه المسألة ليست بعيدة لا سيّما بعدما بات اعتذار الحريري قريباً جدّاً بحسب ما رشح عن تسريباته حول زيارته إلى مصر. كذلك يجب العمل على بلورة قناعة اشتراكيّة من البوّابة الفرنسيّة لحثّ الجبل اللبناني كلّه على المطالبة بمطلب الانتخابات لا التسويات.

 

يبقى أنّ الشارع اللبناني الذي ثار في 17 تشرين مطالب هو أيضاً بالكفّ عن شعاراته الشعبويّة التي لن توصل إلى أيّ مكان. فالنيو- يسار لن يستطيع أن يحلّ مكان اليمين القديم الذي حمل مشروع السيادة والحريّة والاستقلال، ولا مكان الأيديولوجيّات التيوقراطيّة التي تحكم لبنان اليوم من باب طهران والضاحية مع “حزب الله” والبياضة مع فلول التيار التي تتلطّى خلف بدعة حقوق المسيحيّين التي لم تعد تنطلي على أحد. كذلك المطلوب العمل مع الشيعة الأحرار الذين لا يدورون في فلك الحزب أو حتّى الحركة لبلورة قناعة سياديّة لديهم تتجلّى في مطلب الانتخابات النيابيّة.

 

ذلك كلّه، سيزيل حتماً المخاوف الموجودة عند المجتمع الدّولي من عمليّة الانتخابات النيابيّة التي إن لم تؤخذ بالاعتبار الأسس التي أشرنا إليها آنفاً قد تكرّس وجود هذه المنظومة الحاكمة بالدّيموقراطيّة لأربع سنوات جديدة. ولعلّ هذه هي المخاوف الأساسيّة التي تحول دون جعل هذا المطلب أولويّة دوليّة. ولا بدّ من الاشارة هنا إلى أنّ أيّ عمليّة انتخابيّة من دون إشراف أممي مباشر، قد تؤدّي إلى النتائج نفسها أو بأدنى حدّ، قد لا تحدث التغيير المرجوّ. فهل يكون القضاء اللبناني المحفِّز الدولي لتبديل وجهة البوصلة الأمميّة نحو الانتخابات النيابيّة؟