جيّد أن يذهب اللبنانيون في إجازة (سريعة) من عادياتهم المأزمة، بعد أن وصل النقاش الانتخابي الى نقطة إيجابية مفتوحة على الأحسن وليس الأسوأ.
وجيّد أكثر، بطبيعة الحال، أن تكون بواعث تلك النقطة، مرتبطة بوعي مبدئي يتخطى الشأن الانتخابي ليطال غيره، وما يتصل في عمومياته وتفاصيله، بمصير اللبنانيين وديمومة الحال التسووية التي يعيشون في ظلها ووفق بنودها وأحكامها.
الشأن الانتخابي جزء من كل، وليس الأساس والأصل. لكن بعض المواقف التي صاحبت التفتيش عن قانون جديد له، تخطت تلك الفرضية، وغارت بعيداً في أدبيات وسلوكيات نافرة من جهة، واستعادية لزمن آخر من جهة ثانية. وهي في ذلك، إرتدّت الى ماض مضى تحت عباءة التأسيس لآتٍ مختلف! أي دخلت، من دون تمحيص كاف، في فلك أصولية مشتهاة من دون الانتباه، أو بالأحرى من دون الأخذ بالواقع القائل، إن الأمر مفضٍ الى أزمة أعمق من تلك التي يدّعي صاحب السعي، العمل على تخطّيها أو تحويلها الى منتج إيجابي.
والأزمة قائمة في ذاتها بغضّ النظر عن الهوية والهوى! أي أن العودة الى الخلف (الأصول!) مأزومة بحضور النص وغياب روّاده! قبل التجرؤ على مقاربة جدوى التأويل و«الاجتهاد» وحدودهما في زمن الحداثة! أو الانخراط في الجدل الخاص بمدى واقعية محاولة تركيب الماضي على الحاضر!
وذلك حُكم يسري في عالم اليوم، على العنوان الديني كما على العنوان السياسي، كما (في مستوى اللحظة المحلية) على العنوان الانتخابي! وسهلُ الظنّ تبعاً لذلك، ان الجمع بين العناوين الثلاثة في سلّة واحدة، لا يعني شيئاً آخر، سوى أزمة مثلّثة ومعتّقة وأكثر حضوراً ونفوراً بطبيعة الحال!
خطيئة البعض في المسعى الانتخابي، انه استطرد في الاجتهاد. وصار في حاجة ماسّة الى من يعيده من ذلك الهمّ! لم تساعده المادة والا الأسلوب ولا القراءة السياسية الأكبر من الشأن المحلي.. ركّب بنفسه تلك الأزمة عندما استعجل الأمر! ورأى «فرصة» وأراد البناء عليها فلم يفعل سوى تحطيمها تحت أثقال أهدافه الآنية والمستقبلية!
الشأن الانتخابي جزء من جملة معطيات تركّب مجتمعة الواقع اللبناني. وتفصّل تعقيداته وصعوباته. وأي محاولة لتقديم «بند» على آخر تعطّل الكل حُكماً.. والسياسة (وليس الانتخابات وحدها)، بند مركون في خانة واحدة مع الطوائف والمذاهب والمناطق والعائلات! وهذه مجتمعة مركونة في أجندة واحدة مع بنود أخرى فيها البعد الاقليمي الراهن وترجماته المسلحة (في حالة حزب الله وإيران) وفيها البعد الدولي ومتطلباته و«شروطه» الراعية للاستقرار! وفيها الجغرافيا التي جعلت لبنان أسير حالتين: واحدة جنوباً هي إسرائيل، وثانية شرقاً وشمالاً هي سوريا! والحالتان عنوانا أزمتين دائمتَين، وفي الحرب والسلام على حدِّ سواء.
.. وبالتالي، فإن اختزال كل شيء بالمعطى الانتخابي، وجعله في سوية «الوجود» و«المصير» و«الحقوق»، لا يمكن إلا أن ينتج أزمة مركبّة! شديدة الخطورة والتبعات.. وبعيدة المدى!
ولذلك،، فإن أهمية وصول النقاش الخاص بالانتخابات الى النقطة التوافقية الحالية، تكمن في نزع فتيل تلك الأزمة. ثم تخفيف الأثقال والأحمال والتوقعات والافتراضات والحسابات.. ثم الارتداد بالمعنى الايجابي، الى واقعية لا بدّ منها تسمح للبنانيين بالتمتع بإجازتهم السريعة تلك، تحت سقف دوام الحالة التسووية.