التلاعب بالانتخابات النيابيّة سواءً من بوابة الطقس المرتقب أم من زاوية إعادة النظر ببعض أحكام قانون الانتخاب هو كاللعب بالنار. ثمّة إستحقاق ديمقراطي شعبي لا يحتمل التأجيل في الأيّام العاديّة، فكم بالحري بالنسبة للأيّام الاستثنائيّة كتلك التي يمّر بها لبنان؟
إقتراع المغتربين وخفض سن الاقتراع والكوتا النسائيّة المرحليّة هي من الاصلاحات السياسيّة الضروريّة والحتميّة، إذا ما كان هناك رغبة فعليّة في إحداث التغيير المطلوب في الذهنيّة والممارسة. إن عدم القيام بهذه الخطوات من شأنه إبقاء الانتخابات تدور في حلقة مكررة وتبعد عنها عوامل المنافسة.
في النقطة الأولى، لا شك بأن منح المغتربين حق الاقتراع هو قرار تاريخي طال إنتظاره، وهو حق لهم وواجب عليهم. لا يمكن الركون إلى المغتربين فقط في المؤتمرات الفضفاضة التي تُستغل سياسيّاً وشعبيّاً، وفي طلب التحويلات الماليّة المنتظمة للحصول على الدولارات الطازجة، وإشاحة النظر عنهم في حقوقهم السياسيّة والوطنيّة.
المغتربون اللبنانيّون حققوا نجاحاتٍ باهرة في الخارج، وقد زاد عددهم بالآلاف في الاشهر القليلة الماضية منذ بدء تباشير الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وفقدان الشرائح الشبابيّة الأمل بقيامة البلاد من كبوتها، بعدما أبلغوا أننا سائرون إلى جهنم! من هنا، يبدو ضرورياً جداً إشراكهم في العمليّة الانتخابيّة وإتاحة المجال لهم للإدلاء برأيهم السياسي مهما كان هذا الرأي.
أما خفض سن الاقتراع، فهو مطلب تاريخي مزمن وقديم، لطالما تهربت منه بعض القوى السياسيّة تارة بحجة الخلل الطائفي الذي سيتولد عنه، وتارة خوفاً من رأي تلك الشريحة من المجتمع التي غالباً لا تقيم حساباً للإعتبارات الموروثة سياسيّاً وإجتماعيّاً. إن هذه الخطوة لا تحتمل المزيد من التأجيل.
شباب لبنان مسيّس ويتابع الأحداث وينخرط فيها بشكل أو بآخر. صحيحٌ أن عدداً من الأحزاب السياسيّة مأزوم وتقلصت قدرته على الإستقطاب الشبابي، ولكن الصحيح أيضاً أن الشباب اللبناني قادر على المشاركة بفعاليّة في الحياة السياسيّة على طريقته. وهل يمكن نسيان مشهد طلاب المدارس الذين إلتحقوا بالثورة في حركة الاحتجاجات الشعبيّة التي شهدها لبنان منذ تشرين الأول 2019. لقد قدّم هؤلاء الدروس والخلاصات لأوليائهم ولكل العاملين في الشأن العام.
أمّا الكوتا النسائيّة المرحليّة فهي باتت حتميّة لتوفير تمثيل عادل للمجتمع الذي تشكل النساء أكثر من نصفه. وبما أن المشاركة النسائيّة في الحقل السياسي إقتصرت على تمثيل محدود في المجالس النيابيّة المتعاقبة، وكانت نتيجة أواصر القربى أو الزواج مع سياسيين رحلوا أو إنكفأوا عن الترشح؛ فلا بد من خطوة مرحليّة تدفع الأحزاب والقوى المشاركة في الانتخابات لمنح حيّز أكبر لمشاركتهن في الحياة السياسيّة، وتشجع المرأة على الانخراط الأكبر في العمل السياسي.
لقد حققت المرأة اللبنانيّة نجاحاتٍ ملحوظة في القضاء وقطاع الأعمال الخاص وحتى في القطاع العام وسائر الهيئات الإجتماعيّة والثقافيّة التي أبدعت فيها؛ إلا أن حضورها السياسي بقي قاصراً عمّا هو مطلوب.
إن التمثيل السياسي المحدود للمرأة اللبنانيّة مزدوج الأسباب فهو ناتج عن قصور منها على الإقدام في الميدان السياسي، كما أنه ناتج عن تراخي الأحزاب عن إيلاء هذه المشاركة الأهميّة التي تستحق. لقد آن أوان تغيير هذه المعادلة السلبيّة وإتاحة مشاركة عادلة ومتكاملة للمرأة في الحياة السياسيّة.
لا شك أن قانون الانتخاب الحالي فيه الكثير من العثرات الأخرى، منها مثلاً عدم منح هيئة الإشراف على الانتخابات الصلاحيّات الكاملة لإدارة العمليّة الانتخابيّة التي تبقى تحت سلطة وزارة الداخليّة، مع ما قد يعنيه ذلك من تدخلات من هنا أو هناك. إن وزارة الداخليّة مدعوة لتقديم أداء مختلف، هل تستطيع ذلك؟