يحقّ للبنانيين التساؤل عن جدوى الرهان على انتخابات تخلّصهم من عصابة “المنظومة”، فيما يشاهدون مثل جميع سكان القارة الكونية “مُلهم” المنظومة الجديد يكرّر في أوكرانيا ما ارتكبه في سوريا، وفيما يعيش العالم على قلق من أن يؤدي جنون آلة القتل الروسية الى حرب عالمية، او تلوث نووي على أقل تقدير.
والتساؤل في محله بالتأكيد، خصوصاً ان البوتينية ليست حكراً على ساكن الكرملين فحسب، بل هي منهج فكري سياسي أخلاقي يتشارك فيه كل شركاء الأنظمة الشمولية والاستبداد الديني والعسكري والمافيوي، ويعرف القارئ بالتأكيد أن بين ظهرانينا بوتينيين كُثراً، أفراداً وأحزاباً و”مثقفين خطرين”، يشيدون بصناديق الاقتراع لتظهر أنياب دراكولات الديموقراطية مع إعلان النتائج وبغض النظر عن نسب الرابحين والخاسرين. وتجربة منع الأكثرية من الحكم إثر انتخابات 2005 و2009 خير دليل.
رغم قتامة المشهد الدولي وحَلَك المشهد المحلي، لا بد من “الى الانتخابات در”. وهي عندنا ليست ترفاً ولا التزاماً بمواعيد واستحقاقات لضمان حسن سير الديموقراطية وتداول السلطة والبرامج، بل حاجة ماسة وأولوية فرضها عجز ثورة 17 تشرين عن إسقاط سلطة العصابة في الشارع، ومحاسبة رموزها، وتشكيل حكومة انتقالية تمهد لانتخابات طبيعية تجرى بين مستحقين للديموقراطية مؤمنين بمعنى الاختلاف وقانعين بسقف الدولة وبالعيش في وطن للجميع.
كنا نفضل حتماً لو وقع لبنان بين سويسرا وليشتنشتاين. لكن مثلما لا نستطيع الهرب من لعنة الجغرافيا وجارَينا المؤلمَين، فإنه لا مجال للنجاة من قدَر شراكاتنا مع مواطنينا وخلافاتنا العميقة مع أولئك الذين يحترفون التضليل، ويعاودون تعريف الديموقراطية بحسب موازين القوى، ويعتبرون يوم الانتخابات فرصة ذهبية لتكريس المغالبة والاستقواء، ويرون في التفويض المشروط بحسن الممارسة والنزاهة صكاً إلهياً يخوّلهم ضرب الحلال بالحرام.
تبقى الانتخابات أرقى وسيلة للتعبير. وتبقى صناديق الاقتراع الطريق السليم لتصحيح الصناديق التي أفرزت للبرلمان على مدى ثلاثة عقود متآمرين وتافهين، بدليل أنهم شرَّعوا الاستيلاء على السيادة الوطنية وعمَّموا نهج الولاء للخارج، وغطوا عملية النهب الكبرى التي تعرض لها الشعب اللبناني بالإستنكاف عن المحاسبة والتواطؤ في التشريع وتوليد حكومات “توافقية” يعمل فيها أزلام صغار لدى أزلام كبار.
من جديد تبرز فرصة تاريخية امام اللبنانيين، سواء الذين اكتووا بنار فساد المنظومة الحاكمة، أو الشباب الطامح الى تغيير لم يثمر بالثورة الناعمة والأناشيد. وهي فرصة يجب أن تفرز “أكثرية نوعية” قد تختلف على المقاربات والأساليب، لكنها تتفق على عنوان وحيد وهو “بناء دولة السيادة والقانون”، لأن ما نعيشه اليوم هو نتيجة لتدمير هذا العنوان – الركيزة والذي تتفرع منه المحاسبة والحوكمة الرشيدة والوحدة الوطنية وفق مصالح الجميع.
لن تكون الانتخابات ذاك الحل السحري، لكن وصول كتلة تغييرية وازنة الى المجلس النيابي هو مدماك متين سينعش أمل اللبنانيين في استعادة بلد وضَعه حكامُه في حفرة الفقر وعلى خطوط الخطر والانحياز، وسيجعل من هدف النماء والحياد أقرب حتماً الى التحقق.