لم يكن ينقص المشهد داخل فريق «تيار المستقبل»، إلا اعلان النائب محمد حجار عزوفه عن الترشح، لتزيد الأزمات في هذا الفريق الذي لا يعرف طريق خلاصه سواء بالإلتزام بمقاطعة الإنتخابات التي يريدها سعد الحريري ضمنا، لكنه لا يعلنها او عبر اللحاق بحلفاء «المستقبل» وشخصيات تسعى لبقاء السنّة في المعادلة وعدم ترك الساحة لأخصام «المستقبل». وفي هذا الاطار، تأتي حركة الرئيس فؤاد السنيورة لإدارة أزمة «المستقبل»، لكن هذه الحركة تتقلب في مطبات هوائية خطرة، وهذا ما يجعل قرار السنيورة متقلبا ومبهما وغير واضح حيال المضي بالترشح نظرا للتطورات التي تحيط بهذا الترشح والظروف السياسية التي استجدت، ومقاطعة شخصيات سنية لخطوة السنيورة.
وحتى الساعة، فان السنيورة ماض في الاتصالات واللقاءات، ساعيا لتشكيل لوائح إنتخابية بأهداف سياسية لعدم ترك الساحة السياسية لحزب الله وحلفائه، وعلى اعتبار كما يقول في تصاريحه ان «الإحتلال الإيراني وصل الى بيروت». ويبرر السنيورة ترشحه في دائرة بيروت الثانية بأنها تهدف الى قطع الطريق امام حزب الله في العاصمة، لكن الفكرة بالأساس لم يستسغها كثيرون، لظنهم ان هناك اهدافا متنوعة «شخصية»وغيرها وراءها.
وصار معلوما، ان الخطوة يتم اجهاضها شيئا فشيئا من داخل البيت السني، سواء من جهة «تيار المستقبل» او الشخصيات السنية الرافضة لمشروع السنيورة وترشحه في بيروت، ومن خلال رفض الشارع البيروتي له ولمحاولته فرض نفسه على المدينة، وفي الواقع هناك فرز واضح وانقسام حيال الترشيح، فالشارع منقسم بين شريحة ترفض السنيورة بسبب ملفاته المالية، وفئة تنظر الى القرار من منظار قلة الوفاء من قبله للرئيس سعد الحريري.
خطوة السنيورة، برأي كثيرين، تعترضها الغام كثيرة تعيق وصوله الى مبتغاه الانتخابي، فالحريري لن يقوم بتسهيل المهمة وتعبيد الطريق لمن يريد ويسعى لوراثته في زعامة الطائفة وسيسعى إلى تطويق مغامرة السنيورة الذي تنتظره حملة تخوين.
تتوالى النكسات التي تصيب حركة السنيورة بدءا بالحملة «المستقبلية» والتحريض ضده، ومسلسل الانسحابات من قربه، بدءا باعلان السفير نواف سلام عزوفه عن الترشح، مما يعني عمليا عدم تشكيل لائحة قوية في بيروت، في حين ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدوره لن يخوض الإنتخابات لرغبته المسبقة بعدم الدخول في مواجهة مع أحد من القوى السياسية المتمثلة في الحكومة، وبالتالي عدم الرغبة في التصعيد ضد اي طرف واستفزاز الحريري.
المنطق الطبيعي للأمور، ان مصلحة ميقاتي تفرض عليه البقاء خارج الاصطفافات السياسية واغلاق باب العواصف عليه، وهذا يعني ان ميقاتي لن يماشي السنيورة الذي سيخوض الإنتخابات بشعارات تجييش الساحة السنية ضد حزب الله، الأمر الذي لا يتقبله ميقاتي خوفا من تفجير تركيبة حكومته.
أغلب الظن ان إنتخابات بيروت التي سيخوضها السنيورة ستكون محرقة له، اذ يرى كثيرون ان لا حظوظ له فيها، ولأن الحريري لن يشكل رافعة لأي لائحة التزاما بقرار تعليق العمل السياسي.
حسابات المعركة ليست لمصلحة السنيورة ، لأنه يواجه معوقات وحربا مفتوحة من «المستقبل» وقياداته التي ترفض التعامل معه. ثمة من يعتقد ان خوض السنيورة الإنتخابات لن يكون مفيدا له، بقدر ما يستفيد منه بطريقة غير مباشرة كل من الحزب «التقدمي الإشتراكي» و «القوات»، وبالتالي فان السنيورة يواجه مأزقين: فهو غير قادر على الترشح في دائرة صيدا – جزين كما في بيروت، لأنه بذلك يسير نحو الصدام مع الفريق «المستقبلي»، وبالتالي هو امام أحد الخيارين: اما التوكل على كلمة سر من دار الإفتاء لتعويمه سياسيا، او الإعتماد على عوامل خارجية لتعويم نفسه، مع العلم ان هذه العوامل قد لا تتوافر أبدا.