19 يوماً على انتهاء مهلة دوكان لتوقيع لبنان الاتفاق مع الصندوق.. ولا اتفاق
تزداد السياسة ترنّحاً. ويزيدها تعقيداً ووهناً أداء السياسيين الطافح كذباً. ومن يحصل له أن يطّلع على دواخلها لا بدّ أن يعتريه الغضب والاشمئزاز من الدرك الذي يمكن لهؤلاء السياسيين أن يصلوا اليه بلا أدنى حياء.
الأمثلة كثيرة، وإن يظل الإستحقاق الإنتخابي وخطة التعافي والنهوض أبرز نموذجين حاضرين عن كل الرياء الذي يجري إغراق اللبنانيين فيه.
1-في أدبيات كل الأحزاب والقوى السياسية أن الإنتخابات النيابية حاجة وضرورة وأن إرجاءها من الكبائر. لكن غالبية تلك القوى تمنّي النفس بما قد يحلّ من تطورات حتى لو كانت كارثية، للإتكاء عليها بغية تعليل التأجيل. جرى التعويل، بدءا، على إحتمالات تعثر مسار التفاوض النووي بين إيران والمجتمع الدولي، الى أن حلّت الأزمة في أوكرانيا كباب فرج للراغبين في الإرجاء. ولا يفوت هؤلاء رهانهم على حدث أمني داخلي كبير يؤدي هو الآخر الى التأجيل.
الحكومة لم تقدّم خطة التعافي قبل الانتخابات ورئاسة المجلس ليست متحمسة لخطة إصلاحية
عملياً، معظم الماكينات الإنتخابية مستنفرة، والغالبية العظمى من المرشحين تستعد الأسبوع المقبل الى التهافت على وزارة الداخلية لتقديم الترشيحات. ورغم كل ذلك، لا يزال كثر من قادة الأحزاب ومسؤوليها يجزمون بأن حظوظ إجراء الإنتخابات في موعدها تساوي تماما حظوظ إرجائها أشهرا أو ربما سنة. أبرز دليل على التردد الانحسار اللافت في الحملات الإنتخابية وخصوصا إعلانات الطرق، وتعمّد المرشحين والأحزاب، قدر الإمكان، تأخير الإنفاق الإنتخابي إعلانيا وإعلاميا.
أحد المراجع، وهو معني مباشرة بالإنتخابات تنظيما وترشيحا، تردد أنه أوقف عقدا مع شركة كبيرة تعود الى نائب مستقيل (هو بدوره مرشّح) كان مخصصا لتزويد الماكينة الإنتخابية للمرجع بحاجاتها اللوجستية الضرورية، في موازاة تجميده العمل بمركز الإتصالات الـcall center، وهو يعتبر عصبا رئيسا. هذان المؤشران ينبئان بما يضمره المرجع ويتحاشى الجهر به بل ينطق بعكسه، ومعه معظم الساسة، خوفا من عقوبات دولية وليس خشية من النظر في أعين من أمَن لهم من اللبنانيين فخانوه.
وسبق للمرجع نفسه أن صارح زواره والمقربين منه في أكثر من مناسبة بأن الإنتخابات النيابية لن تحصل في زمنها المقرر.
مرجع آخر معني بالإنتخابات إنما من باب الواجب الوظيفيّ لا الترشّح، يُقال إنه نصح مقرّبا حتى بعدم التفكير بتقديم أوراق ترشيحه، لأن لا إنتخابات لا في أيار ولا حتى في تشرين.
2-في الأدبيات الرسمية، والحكومية على وجه التحديد، أن فريق رئاسة الحكومة يجهد لكي تبصر خطة التعافي النور وفقا للمقتضيات الإصلاحية المطلوبة بإلحاح محليا ودوليا، فيما الحقيقة في مكان آخر. فصندوق النقد الدولي أول الرافضين لما بدر من أفكار في المرحلة الأولى من المحادثات، وخصوصا لجهة محاولة هذا الفريق تكريس مأساة سرقة العصر عبر تحميل المودعين ثلثيّ مجمل الخسائر المحققة. وليس من العبث بمكان سؤال رئيس الحكومة عن مصير الجولة الثانية من المحادثات مع الصندوق والتي لا تزال في علم الغيب، أو تذكيره بأن منسّق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان سبق أن حدّد نهاية آذار (باق 19 يوما) مهلة قصوى لختم لبنان التفاوض مع الصندوق وتوقيع الإتفاق النهائي. كل ذلك فيما كان نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي يحاضر قبل 3 أيام في عصر آخر، مكذّبا بأريحية الواثق (وأي ثقة!) «بعض وسائل الاعلام» التي كشفت أن «الصندوق رفض الخطط الاقتصادية المطروحة». فكلام الإعلام هذا «لا يمت الى الحقيقة بصلة والمفاوضات تسير (أين المسير والمسار؟!) بشكل تقني والحوار راق ومهني وجدي ورصين».
أصلا، لو كان في نية رئيس الحكومة ونائبه ووزير ماليتهما تقديم خطة تعافٍ قبل الإنتخابات، لما كانوا قد أقدموا على مشروع موازنة للـ2022 رقميّ بلا روح أو رؤية، بلا أي نية إصلاحية، بإستثناء أنه عبارة عن صفّ ارقام لرسوم وضرائب رُفعت أضعافا مضاعفة لجعلها متوافقة وسعر الصرف في السوق الموازية، فيما الواردات المقترحة يَفترض تحقيقها إعدام ما بقي من قوى عاملة ومنتجة.
ولا يخفى أن رئاسة مجلس النواب هي الأخرى ليست متحمّسة لخطة تعافٍ تأخذ في الإعتبار الإصلاحات التي يلحّ عليها الصندوق والبنك الدولي والدول المانحة، في مقدمها الكابيتال كونترول المجهَض قصدا بذريعة الرغبة في حماية المودعين. لكن أحدا لم يُفهم هؤلاء المودعين كيف تتحقق مصلحتهم بإجهاض مجلس النواب أي ضوابط تمنع حفنة من السياسيين معروفين بالإسم، إسماً إسماً، بتهريب ما تبقى من أموال مودعة، بعد تهريب ما يناهز الـ15 مليار دولار (تغطي 85 الى90 % من مجمل أموال المودعين الصغار ومتوسطي الحال) في الأعوام الثلاثة الأخيرة!