سنفيق اليوم على انسحاب مرشحين كثر إلى الانتخابات النيابية، ليس بفعل الإشاعات عن تهديدٍ بإلغاء الانتخابات أو تأجيلها، ولا استنكافاً عن المشاركة في المناسبة الوطنية العظمى، ولا هروباً من تولي المسؤولية في ظروف مصيرية حاسمة يبدو أن البلد لم يخرج منها منذ قيامه.
الأسباب أبسط من كل ما تمّ ذِكْرُه. فالمنسحب واحدٌ من اثنين: إمّا أنه لم يتمكن من الإلتحاق بلائحة ذات وزن أو أنه لم يتمكن من الإتفاق مع أقرانه من المرشحين على تشكيل واحدة توحي بالأمل، ولو الضئيل، في تحقيق خرقٍ ما.
فأي مرشحٍ للإنتخابات يعرف، بموجب القانون الساري، أنه لن يصلح للمهمة إلا إذا تبنّاه حزب أو تيار أو كانت له قاعدة شعبية تصويتية واسعة، وهو إذا توفّر له هذا الشرط سيحتاج إلى شركاء يرفعون له الحواصل وناخبين يمنحونه الصوت التفضيلي. سيتحوّل المرشح في اللائحة إلى خصم منافس لشريكه فيها. إنه يحتاجه في رفع الحاصل ويخشاه في سباق الأصوات التفضيلية، ولذلك تبدأ معركة الإنتخابات العامة قبيل الإعداد لإعلان اللوائح، ثم فور إعلانها وتستمرّ حتى إغلاق الصناديق يوم الإقتراع العام.
أكثر من يعرف معنى التجربة هم صانعو القانون. لقد وضعوه على مقاسهم تماماً كقوى تطمح إلى تأبيد حضورها المفجع في السلطة، ولاستعمال هذه السلطة بما يستجيب لسقفيها، سقف يرسمه «حزب الله» بوصفه الطرف الأقوى، وسقف يكتفي به الحلفاء من حصصٍ ومواقع محلية وإدارية ومنافع يومية. وعملاً بروحية قانون الإنتخاب شهدنا قيام لوائح كان يُفتَرض ألا يشهدها يوم القيامة، من مثل لوائح «حزب الله» المشتركة مع «حركة أمل» و»التيار الوطني الحر»… وما يرافقها من جهود لفرز الأصوات وتجييرها وصرفها دعماً لهذا الفريق أو ذاك وبهدف إسقاط هذا الفريق أو ذاك في كل المناطق، بما يجعل القانون وسيلة لطمس وتمييع الخلافات وكاشفاً كذبها في آن، ويعيد المعركة إلى جوهرها بين سياديين وإصلاحيين وبين ملتحقين وملحقين بمشروعٍ إقليمي لا يحتاج إثباته إلى شهودٍ أو شواهد.
بعد الرابع من نيسان ستكون الصورة واضحة تماماً. سيختفي كثيرون ممّن جرّبوا الترشّح وسيبقى مرشحون في لوائح قررت خوض الإمتحان حتى النهاية. غير أن الإمتحان الأصعب ليس في النتيجة التي سيحصّلها هؤلاء إنه ببساطة في قدرة مئات ألوف الناخبين على إخضاع قانون ضد الطبيعة إلى مقاييس طبيعية لدى اختيارهم من سينتخبون لتسليمه متعة اتخاذ القرار باسمهم طيلة السنوات الأربع المقبلة.