Site icon IMLebanon

الإنتخابات مدخلٌ إلى الإصلاح السياسي

 

مجموعة من الشخصيات الناشطة في انتفاضة 17 تشرين

بمناسبة الذكرى المئوية لقيام الدولة اللبنانية مشروع أولي للنقاش

 

دشنت انتفاضة 17 تشرين مرحلة سياسية نوعية جديدة في تاريخ لبنان المعاصر، فأخرجت التطور السياسي للبلاد مجتمعاً ودولة من براثن التحكم الإحتكاري المطلق لفئة صغيرة معينة من الناس بمصير البلاد والشعب، برفعها شعار إجراء تغيير جذري في مسار التطور السياسي بأفق نقل السلطة والسيادة، حقاً وفعلاً الى الشعب.

 

إنفجرت إنتفاضة 17 تشرين كرد فعل طبيعي وحتمي أنضجته نضالات جماهير الشعب اللبناني ومعاناته في خلال عشرات السنين… وعبر تجارب العشرات المتتالية من الإضرابات والتظاهرات، رفضاً للنتائج التي سببتها السياسات الرسمية المتمادية في تقاسم الإمتيازات والمال العام في ما بين أجنحتها المختلفة، عبر صراعات بينية لم تنقطع ومن دون التورع عن اللجوء الى “قوى الخارج” على اختلافها كسباً لدعمها، وإقحامها بالتأثير على مسار تطور لبنان! نتيجة هذا النهج كلّف الشعب اللبناني، بمختلف فئاته، أكثر من مرة في خلال نصف القرن الماضي، الكثير من الدماء، كما تحمّل الكثير من الدمار والخراب نتيجة خطأ السياسات الرسمية داخلياً وخارجياً التي تحركها المصالح والإمتيازات الخاصة للفئة اياها، التي ولدت كل هذا البؤس والحرمان والمعاناة التي تطوّق الشعب اليوم بفئاته المتنوعة وبمناطقه، ما أدى الى الإنهيار المتدرج وافلاس كل مقومات الدولة والمجتمع مادياً ومعنوياً

 

بزخمها الجماهيري الهائل الذي وحّد اللبنانيين وشدهم الى المستقبل وبتجاوزها الحدود في ما بين المناطق، وبتحطيمها الإنقسامات الطائفية الى حد كبير، وبالمشاركة الأوسع والأنشط للنساء والشباب… أكدت إنتفاضة 17 تشرين أنها السبيل والأداة والأمل للخروج من نفق الظلام الطويل الى النور والمستقبل.

 

بهذه الرؤية والقناعة تتوجه مجموعة من الشخصيات شاركت في صياغة نداء المكاشفة المباشرة والصريحة هذا، الى جميع اللبنانيين، على مختلف معتقداتهم الدينية والطائفية والمذهبية، وعلى تنوع انتماءاتهم الأيديولوجية وانحيازات ولاءاتهم السياسية… كما تتوجه الى سائر تنظيمات المجتمع المدني كالنقابات المهنية والفئوية، والمنظمات النسائية والشبابية، والأطر الإجتماعية التي ساهمت في نشاطات الحراك المدني الذي ميّز وطور الحياة السياسية – الإجتماعية في البلاد في خلال السنوات الأخيرة، بالدعوة الى العمل سوياً، في اطار من التعاون الديموقراطي المنفتح يهدف الى تحقيق إصلاح ديموقراطي شامل وعميق للدولة والمجتمع، يخرج وطننا، لبنان الدولة ولبنان الشعب، من دوامة الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي باتت تشكل مخاطر كيانية.

 

الإنعطاف الاستراتيجي

 

إن انتفاضة 17 تشرين، من حيث هي حركة جماهيرية ضاغطة، بدأت فعلياً في تغيير موازين القوى السياسية عبر برنامجها المطلبي، عن طريق ترجيح دور الجماهير في تحديد تركيب هيئات السلطة وإمكان تجديدها بصورة دورية. وكان طرح شعار اجراء انتخابات مبكرة هو التعبير الاوضح والمباشر الذي اكدته الانتفاضة، بقوة خاصة، من جديد.

 

الا ان الانعطاف الديموقراطي الجذري في العملية السياسية الذي تتطلبه الازمة الخطيرة المتشعبة الابعاد يتطلب، من اجل انعاش وتطوير نهج انتفاضة 17 تشرين، طرح شعار استراتيجي يهدف الى اجراء تغييرات في كامل بنية هذا النظام السياسي، في سياق عملية تطورية ديموقراطية متدرجة، عبر مراحل تعالج فيها كذلك العوائق السلبية التي تمثلها بقايا تأثيرات البنيات الايديولوجية المتعددة والمتناقضة، التي لا يجوز التقليل من دورها الكابح للتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي… ذلك أن الظاهرات السلبية التي يعاني منها اللبنانيون جميعاً، والتي باتت معالجتها غير قابلة للتأجيل، ليست في الواقع وليدة التطور السياسي الاجتماعي اللبناني الداخلي المعاصر وحسب، بل انها كذلك وليدة التأثيرات السلبية التي سببها المحيط السياسي – الجغرافي “القريب” منه، و”البعيد” ايضاً. فلبنان، كدولة وكشعب، ما كان بمقدوره ان ينسلخ عن الجغرافيا والتاريخ الزاخرين، وبخاصة خلال القرنين الماضيين، بأحداث ومتغيرات سياسية كبرى نتيجة التنافس والصراعات في ما بين الدول العالمية والاقليمية، تركت انعكاساتها القوية وما كان بالامكان تلافيها ولم تجرِ مساعي للتقليل من آثارها. اولاً، بسبب ان لبنان هو بالذات كان احد موضوعات هذه الصراعات وهذا التنافس. وثانياً، لأن ارضه استخدمت في اكثر من حالة كساحة من ساحاتها.

 

في هذه البؤرة التاريخية – الجغرافية، ينبغي التفتيش عن سبب الخلل البنيوي والتشوه في تركيب الدولة اللبنانية وفي ممارساتها كما ينبغي التفتيش، أيضاً عن السبب الأساسي في عملية نشوء “أيديولوجيات” لبنانية متعارضة متنافرة، وفي نشوء التمايز السياسي والاستقطابات الطائفية والمذهبية الحادة في ما بين اللبنانيين، وكان لها دورها في نشوء الإنحيازات في المواقف السياسية وترسيخ الولاءات للزعامات التقليدية وتشجيع ظاهرة الإنفتاح على قوى الخارج.

 

هذه الوقائع تؤكد أن أزمتنا ليست ولم تكن أصلاً أزمة هذه الفئة الطائفية أو المذهبية أو المناطقية، أو تلك لوحدها. ولم تكن أصلاً من صنع أي منها بالأساس. الجميع ضحاياها كما أكدت التجربة. كذلك إن حصول أي منها على ما تعتبره “حقها” أو تراه ضرورة لإزالة “الغبن” الواقع عليها عن طريق اللجوء الى الحرب، لم يقدم حلّاً ولم يقض على بذور الريبة والحذر.

 

كما أن تجربة إعادة توزيع “الحصص”، بصورة دورية في ما بين ممثلي الطوائف على صعيد الدولة، لم يزد الأمور إلا تعقيدات وصراعات إضافية جديدة. من هنا، على وجه الضبط، نرى أن بداية الطريق هي في “إصلاح الدولة “، من حيث كونها الإطار الجامع والمقبول مبدئياً من الجميع كمنطلق وكأساس للإصلاح الحقيقي الشامل المطلوب، حيث تتركز في الدولة بتركيبتها المريضة المختلة “منابع الشرور” جميعاً التي تعاني منها الجماهير.

الدولة المدنية المعاصرة

 

إن لبنان بحاجة الى دولة مدنية ديموقراطية معاصرة لأن دولتنا الحالية هي صورة مشوهة للدولة الحديثة المتعارف عليها باسم “الدولة – الأمة”، لأنها ولدت ليس كنتاج لحاجات اللبنانيين أساساً، ولا تعبيراً عن مصالحهم بالدرجة الأولى، بل كنتاج للصراعات التي دارت في ما بين القوى الخارجية التي تنازعت على وراثة تركة “الرجل المريض” الدولة العثمانية، وعلى تقاسم الحصص، كمرحلة أولى وبهدف تبرير الإنتداب والتبعية كمرحلة ثانية، عبر صراعات في ما بين “الشركاء”، نتيجة التغيير في موازين القوى ما بين بريطانيا وفرنسا، في منطقتنا، بعد الحرب العالمية الاولى، والثانية، ومن ثم حين دخلت الولايات المتحدة مسرح الشرق الأوسط. وأخيراً دخول الطموحات الأمبراطورية لبعض الأطراف الإقليمية دائرة الصراع كقوى منافسة مشاكسة.

 

هكذا ظلت السياسة اللبنانية (الرسمية) تتموج حتى الوقت الحاضر في دوامة الصراعات في ما بين هذه القوى المتصارعة وفق تغير موازين القوى في ما بينها، مما أدى الى مزيد من التعقيدات والمضاعفات على جميع الصعد في حياة الشعب اللبناني.

 

في هذه البؤرة، أيضا، ينبغي التفتيش عن سبب الخلل البنيوي في تركيب الدولة اللبنانية وفي ممارساتها وفي هذه البؤرة التاريخية الجغرافية ينبغي التفتيش، كذلك عن التفاوت والتناقض في تفسير اللبنانيين للاسباب التي ادت الى الاحداث المأساوية التي عانوا منها، والخوف من احتمال تكرارها في المستقبل. وهذا ما ينبغي أخذه بالحسبان في معالجة بقايا الخوف والحذر المتبادل من خطر رجحان هذا الطرف الطائفي أو ذاك على الآخرين.

 

من دون أخذ هذا الواقع بكل أبعاده في الإعتبار لا يمكن تحقيق الدولة المدنية الديموقراطية، إلا عبر السير في عملية سياسية نضالية متدرجة: هذا هو السبيل الواقعي والوحيد لتفادي الفعل السلبي لعوامل الحذر والريبة والمخاوف المتبادلة، التي تستغلها القوى ذات المصلحة لبقاء الحالة الراهنة من دون تغيير. من هنا تنبثق ضرورة بناء التفاهم المشترك، وتنظيم النضال المشترك في ما بين جميع القوى السياسية والإجتماعية والثقافية والإعلامية التي تشعر بمسؤوليتها تجاه شعبها ووطنها، ولتحقيق برنامج عقلاني وواقعي وإصلاح شامل متدرج متكامل مقبول من الأطراف، لا يحمل أي بند منه إشعاراً بأنه لمصلحة فئة محددة بعينها، تمهيداً وتسهيلاً لمسار سياسي في البلد يؤدي الى تحقيق الدولة المدنية الديموقراطية التي تلائم الشروط اللبنانية الخاصة.

 

الإتفاق الجهيض

 

لقد كان مؤتمر الطائف (1989) ومقرراته خطوة ايجابية في هذا الاتجاه، رغم محدودية سقف الإصلاحات التي طرحها وافتقاره الى خريطة طريق زمنية لتحقيق الشعارات المقررة. بيد أن العوامل والتدخلات الخارجية المعروفة، بما فيها التناقضات والصراعات العربية، أدت الى المزيد من التعقيد والإختلالات في موازين القوى والتحالفات السياسية الداخلية، ما أدى الى إجهاض تطبيق بنود الطائف جميعاً، على الرغم من إدخالها شكلياً في صلب الدستور.

 

إن طرحنا الحالي يهدف الوصول الى صيغة للتفاهم الوطني عامة، الى صيغة ” للمصالحة الوطنية ” تطور وتكرس ما هو جامع ومتقدم في الميثاق الوطني لسنة 1943 وإتفاق الطائف، بأفق أكثر انفتاحاً على التطوير الديموقراطي للدولة وللحياة السياسية، وإرفاق ذلك بخطة تطبيقية متدرجة، زمنية… مع الأخذ في الإعتبار العوامل الداخلية والخارجية ذات التأثير على هذا المحور الأساسي الذي نقترح يتبلور، في تقديرنا، جوهر ومضمون القضية الوطنية اللبنانية الجامعة التي تحدد وترسم اتجاهات السياسات الإصلاحية العامة: الداخلية والخارجية في سائر الميادين والقطاعات… وتحدد وتائر تدرجها الزمني مع احترام المبادئ الأساسية والقواعد الإجرائية التي ينص عليها الدستور اللبناني على قاعدة هذا “الميثاق الوطني” المجدد، هذا العقد السياسي الإجتماعي العتيد، يمكن أن تصاغ البرامج والخطط النضالية التفصيلية في سائر الميادين، بصورة جماعية في ما بين الأطراف السياسية والاجتماعية، من دون أن يقيد ذلك أي طرف سياسي أو إجتماعي من داخل إطار التوافق العام أو من خارجه بأن يطرح إقتراحاته الخاصة والدعوة اليها.

 

خطوات وآفاق

 

مثل هذه الخطوات تفتح الآفاق مجدداً على إنعاش الإنتفاضة، باعتبارها القوة المادية الفعلية الاساسية والحاسمة لتطوير النضال الجماهيري بصورة أكثر فعالية لبناء الدولة الديموقراطية المدنية العصرية كاملة السيادة بدستورها وقوانينها، لا تنازعها فيها أي قوة أو تنظيم داخلي، أو طرف خارجي، بأي حجة كانت، تحتكر بيدها قرار السلم والحرب بصورة حصرية وتفرض سيادتها المطلقة على قواها المسلحة، والتي عليها، في سياق عملية البناء التدريجية التي تجري على مراحل متتالية، ان تحل وتذلل العقد والعقبات السياسية والاجتماعية والحقوقية والأيديولوجية القائمة والمتوارثة تاريخياً: مثل بقايا الطائفية في النصوص والنفوس والعصبويات العشائرية والعائلية، بالوسائل السلمية الملائمة السياسية منها، والتربوية والإعلامية..الخ… في مقدمة هذه المهام تأتي العملية التنفيذية. اولا، مهمة اعداد مشروع قانون عصري ديموقراطي حقاً للانتخابات (هناك مشروع اولي بالخطوط العامة)، يفتح السبيل ويمهد لتقليص اثر العامل الطائفي بصورة تدرجية ويقر خفض سن الاقتراع الى الثامنة عشرة، ويزيل العقبات التي تقيّد او تحد الحق الكامل للمرأة في الترشح، ويقلص الشروط المالية، ويعزز الضمانات الكاملة لممارسة حق الاعلام عبر وسائل الاعلام الرسمية من دون تمييز او تقييد مالي او قانوني او معنوي، تمهيداً لاجراء انتخابات مبكرة. ثانياً، تأتي ضمن هذه المهام معالجة الازمة الاقتصادية المالية، ووضع برنامج علمي وواقعي لمعالجة الخلل والتشوه البنيوي الذي يشكو منه الاقتصاد الوطني الذي نما وتوسع بصورة شبه عفوية، تحت تأثير العوامل الطارئة الخارجية: السياسية والإقتصادية التي تحكمت بتحديد توجهات الإقتصاد بالإنحصار في القطاعات الخدمية غير الإنتاجية.

 

إن التوجه الأساس في استنهاض الاقتصاد الوطني وضمان تطور قطاعاته بصورة متناسقة ومتوازنة يتطلب جهود الدولة والقطاع الخاص لتسريع وتنمية قدراته الإنتاجية المادية، ليكون قادراً على تلبية الأساسي المطلوب للأمن الغذائي وقادراً على الإسهام في العلاقات والتبادل المادي الفعلي مع الخارج، باعتبار ذلك شرطاً لتأمين التوازن في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وسد الطريق على مخاطر الإفلاس الذي يحاصر اللبنانيين في الوقت الحاضر، وفتح بدايات الطريق لمعالجة مشاكل الدين العام.

 

ثالثاً، يأتي ضمن هذه المهام إيلاء إهتمام خاص ومتزايد للمحور الإجتماعي العام لسد النقص والتقصير المزمنين في سياسة الدولة الرسمية والسعي لوضع أسس جديدة متقدمة، لنهج يسعى بصورة دائمة وحثيثة الى رفع مستوى معيشة المواطنين بتوليد فرص العمل وتحسين شروط العمل، وتطوير الضمانات الإجتماعية والصحية ومعالجة مشاكل البيئة المتفاقمة، وتأمين الخدمات العامة والتعليم على مختلف درجاته وإختصاصاته، وحل مشكلة الكهرباء بصورة حاسمة ومشكلة المياه ومشاكل النقل العام، ضمن خطة متكاملة للتطوير الإقتصادي الإجتماعي متساوقة مع تطور وإرتفاع الدخل الوطني.

 

رابعاً، يتطلب هذا النهج الإصلاحي الديموقراطي العام ضرورة العمل لإخراج سياسة لبنان الخارجية من حالة الترنح والإهتزاز وعدم الثبات في سياق واضح، بإخراجها من دوامة الإنفعال بتأثيرات الصراعات والمتغيرات الإقليمية وتدخلات القوى الأجنبية، وإرسائها على قاعدة واضحة، ثابتة، يتحدد بموجبها، وفي ضوئها الموقف الملموس من كل حدث، ومن أي ظاهرة سياسية تواجهها الدولة على الصعيد الخارجي. وهذه القاعدة هي، تحديداً، وحصرياً، قاعدة مصلحة لبنان الوطنية. وهذا يعني أن تتخذ المواقف على صعيد السياسة الخارجية، من الناحية المبدئية، على أساس عدم تعارضها مع البنود والإتجاهات التي حددها “الميثاق الوطني” في سائر ميادين نشاط الدولة، وأن لا تحدّ من سيادة الدولة بأي صورة.

 

في هذا الضوء، وعلى أساس هذه الرؤية الوطنية اللبنانية العامة، يكون لبنان ملزماً، مبدئياً وسياسياً وأخلاقياً وعملياً، وبقراره الذاتي الحر، بأن يتعاطف ويؤيد أي قضية مشروعة ومحقة للتحرر والديموقراطية في أي بلد، ولأي شعب عربي شقيق، بحكم الإنتماء القومي والانساني تاريخاً وجغرافيةً.

 

إن هذا البرنامج للعمل السياسي الواسع والطموح لتطوير النظام السياسي وإصلاحه الذي نقترح صياغته في ضوء المبادئ العامة التوجيهية، التي يتضمنها الميثاق السياسي الإجتماعي الوطني، يتطلب أن يستكمل، من جهة ثانية، بتحديد وسائل وأساليب تحقيقها، بما يتوافق مع الوجهة العامة للمبادئ والنصوص الديموقراطية التي يتضمنها الميثاق نفسه. هذا يعني، تحديداً، إستخدام الوسائل والأساليب التي تعتمد، حصرياً، النضالات الجماهيرية الديموقراطية السلمية والدستورية في السعي الى الوصول الى السلطة أو المشاركة فيها بالتعاون مع فرقاء من خارج “الإئتلاف الوطني”، كهدف أعلى، أو الى تحقيق أي شعار إصلاحي معين على الصعيد السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي.

 

هذا يعني ان الائتلاف الوطني يعارض أي شكل من أشكال العنف المادي أو المعنوي لفرض أي نهج أو سياسة معينة على الآخرين من قبل أي طرف سياسي أو من قبل الدولة، وهو يدين ذلك مبدئياً وعملياً.

 

إن الائتلاف الوطني يعتبر أن الجماهير، وحدها، هي التي تضفي المشروعية على أي طرح أو شعار إصلاحي عن طريق التعبير عبر النضالات المطلبية والديموقراطية العامة التي تقودها، أو عن طريق التعبير بواسطة الإستفتاءات أو عبر الإنتخابات. إن أطراف الميثاق الوطني يستجيبون لهذا الصوت الجماهيري ويعملون لتحقيق الأهداف التي يطرحها.

 

إجراءات تنفيذية (ملحق1)

 

اولاً: من المفترض ان يقوم طرف مؤهل سياسياً وشعبياً بتنظيم الاتصالات الضرورية بالاحزاب والكيانات السياسية ومؤسسات المجتمع الاهلي (النقابات المهنية، والنقابات العمالية وسائر منظمات ومؤسسات المجتمع المدني: النسائية والشبابية…)، والشخصيات السياسية والاعلامية والثقافية واساتذة الجامعات لدعوتهم الى مناقشة المبادرة وتقديم اقتراحاتهم وتعديلاتهم.

 

ثانياً: الاتصال بمجموعة من القانونيين والخبراء لتحضير مشروع قانون للانتخابات يجسد المبادئ الديموقراطية التي يتضمنها هذا الميثاق الوطني (هناك هيكل عام أولي لمثل هذا المشروع ملحق).

 

ثالثاً: ان الهدف الاساسي من طرح المبادرة توسيع وتفعيل دور الجماهير في العملية السياسية بهدف تغيير موازين القوى لصالح خلق شروط لتحقيق الاصلاحات المطلوبة، مع الحفاظ على استقلالية قرار الانتفاضة مع بقاء التنوع والتعدد في مواقف الجماهير المشاركة في الحراك. من دون هذا الشرط لن تتهيأ القوة الحاسمة القادرة على اجراء التغيير السياسي.

 

هيكل عام لقانون انتخاب المجلس النيابي (ملحق 2 ) أخذاً في الاعتبار العيوب البنيوية (غير الديموقراطية) في جميع صيغ قوانين الانتخابات التي عمل بها حتى الان: من حيث تناقضها المبدئي (الجوهري) مع اسس الطبيعة العلمانية التي قامت عليها الدولة اللبنانية، قبل مئة عام، حيث جرى استيحاؤها من دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة (1875): اي نموذج الدولة – القومية.

 

أخذاً في الاعتبار الواقع السياسي الموضوعي: الداخلي والخارجي، الذي اوجب، آنذاك، ادخال «مبدأ» التقاسم والتوزيع الطائفيين للمسؤوليات على صعيد الدولة في صلب دستور 1926 وبصرف النظر، في وقتنا الراهن، عن طبيعة التقديرات والتقييمات للظروف والمواقف التي أملت تبني هذا المبدأ، في حينه، تحت تأثير الظروف السياسية الخارجية والداخلية الضاغطة في عشرينات القرن الماضي، وأخذاً في الاعتبار نشوء وتطور توجهات وارادات شعبية جرى التعبير عنها من قبل هيئات واطر المجتمع المدني، متزايدة القوة والفعالية، في العقود الاخيرة، تشير وتحذر من النتائج والعواقب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والايديولوجية…. والنفسية السلبية التي ولّدها، ويولدها بقاء هذا المبدأ المناقض للديموقراطية، الذي يغذي التنافر والصدام في قلب المجتمع، ويشكل عامل زعزعة دائماً لبنية النظام السياسي اللبناني.

 

ان الاخذ في الاعتبار كل هذه العوامل التي ولدت تلك التركيبة الهجينة للدولة، وتلك الظاهرات الاجتماعية المعيقة للتقدم، يوجب مقاربة حذرة في معالجة الاختلالات في أسس ومبادئ بناء الدولة وفي صياغة قانون الانتخابات، بحيث لا تستأثر مشاعر الحذر والتوجس المتبادل التي لم تختفِ كلياً، هنا او هناك، داخل مكونات المجتمع اللبناني.

 

مشروع قانون انتخابات

 

إستناداً إلى ما تقدم، وعلى ما اظهرته انتفاضة 17 تشرين وما اعلنته من توجهات واضحة حول ضرورة الاصلاح السياسي العام، ذي المنحى (والمضمون) الديموقراطي، الذي تكرست شرعيته بالبقاء في الساحات اشهراً في مدن لبنان وقراه كافة، ليلاً ونهاراً، يبنى قانون الانتخابات النيابية ويصاغ على الاسس والمبادئ التالية:

 

اولاً، يحافظ على المساواة في العدد بين المسيحيين والمسلمين في تركيبة المجلس النيابي

 

ثانياً، يحدد العدد الاجمالي للمجلس النيابي اللبناني بـ 128 نائباً (أو أكثر أو أقل).

 

ثالثاً، يجري انتخاب اعضاء المجلس النيابي، على اساس القانون العتيد، في الدورة الاولى، وفق صيغتين:

 

أ- ينتخب ربع اعضاء المجلس (32) نائباً على لوائح متنافسة على النطاق الوطني (اللبناني)، وفق القاعدة النسبية مع بقاء الحق للترشيح الفردي، والحفاظ على مبدأ المناصفة.

 

ب – ينتخب ثلاثة ارباع اعضاء المجلس النيابي (96) نائباً، على اساس اللوائح وفق القاعدة «الاكثرية»، في اطار كل محافظة، مع بقاء الحق في الترشيح الفردي ومراعاة مبدأ المناصفة والتناسب العددي: الطائفي والمذهبي في التركيبة السكانية.

 

رابعاً، يجري انتخاب اعضاء المجلس النيابي في دورة ثانية (بعد اربع سنوات من الدورة الاولى)، وفق الصيغتين «أ» و «ب»، كما في البند «ثالثاً»، مع تغيير في نسب عدد المنتخبين: بحيث تصبح النسبة نصف في كل من «أ» و «ب»: (أي 64 نائباً في كل صيغة).

 

خامساً، يجري انتخاب أعضاء المجلس النيابي، في دورة ثالثة (بعد ثماني سنوات من الدورة الاولى) برفع نسبة النواب المنتخبين وفق الصيغة «أ» الى 96 نائباً، على اساس مبدأ النسبية واللوائح على النطاق الوطني، وخفض عدد النواب المنتخبين على اساس المحافظات وفق الصيغة «ب» الى 32 نائباً، مع مراعاة التناسب الطائفي والمذهبي في التركيبة السكانية.

 

سادساً، يجري انتخاب جميع اعضاء المجلس النيابي، في دورة رابعة (بعد اثنتي عشرة سنة من الدورة الاولى)، وعلى النطاق الوطني العام، سواء وفق لوائح متنافسة، ام وفق الترشيحات الفردية، على اساس مبدأ النسبية، مع الحفاظ على المناصفة.

 

سابعاً:

 

أ- ينتخب مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف بأعداد متساوية.

 

ب- يبحث مجلس الشيوخ، حصرياً، في الشؤون والعلاقات ذات الطابع الطائفي البحت.

 

ثامناً، يمثل مجلس النواب في اعماله السيادة المطلقة للشعب اللبناني.

 

تاسعاً، أحكام عامة: * في حال تساوي الاصوات بين مرشحين، تحسم الافضلية، حسب المبادئ – المعايير التالية، بأولويات تراتبيتها: الشهادة العلمية… الترجيح للمرأة… ترجيح الشباب: * لضبط تحقيق المناصفة: ترجيح الشباب.

 

عاشراً، يعرض مشروع قانون الانتخابات على الاستفتاء الشعبي العام… بعد اخضاعه الى النقاش الشعبي، وادخال التعديلات والتدقيقات الضرورية.

 

أحد عشر، تشرف على عملية اجراء الانتخابات لجنة قضائية كاملة الصلاحية يعينها مجلس القضاء الاعلى.