IMLebanon

الغضب في الصناديق

 

بنسبة تصويت لم تتجاوز الـ42 بالمئة، حقق اللبنانيون المقيمون خطوة مهمة في الطريق الى التغيير، فكيف لو تجاوزت نسبة التصويت الـ 60 بالمئة؟ سؤال الاجابة عليه مرتبطة بقياس حجم النقمة على ما اوصلت اليه منظومة السلاح والفساد وما شاركتها به بعض القوى السياسية عن خوف أو تملق أو انتهازية.

 

هذا الغضب الجاثم فوق الصدور، أفرغ نفسه تصويتاً للوائح فيها مرشحين أمثال ابراهيم منيمنة، والياس جرادة ومارك ضو، وهو غرف حصراً من الاصوات التي كانت تذهب طائعة لحلفاء “حزب الله” من دون مساءلة او مراجعة، فإذا بصدمة الوعي تنتج ما كان متوقعاً، لكن ليس بهذا الوضوح.

 

أن يسقط طلال ارسلان ووئام وهاب وفيصل كرامي واسعد حردان على الرغم من كل محاولات تقييد اللوائح والدوائر، فهذا يعني أن الغضب توجه الى حيث يجب. الى مستقلين رواد وأصحاب رؤية قادرين على أن يعطوا مفهوماً حديثاً للسياسة وإدارة دولة طبيعية ولكن منهوبة.

 

أن تشطر كتلة تيار العماد ميشال عون الى نصفين، وتعطى من “حزب الله” على سبيل الصدقة مقاعد مسيحية انتخب نوابها بأغلبية التكليف الشرعي، كي لا تشطر الى ثلاثة، فهذا يعني أن الهيكل تداعى في انتخابات العام 2022 ولم يعد لـ”حزب الله” قدرة على منعه من السقوط، ولو بعد حين، والهيكل المبني من حلفاء شيعة ومسيحيين وسنة على السواء، ويخطئ الحزب اذا اعتقد أن الحائط الشيعي في هيكله منيع على الانهيار.

 

هذا الغضب الجاثم على الصدور منذ 17 تشرين وما تلاها من مؤامرات، وتخريب وتحوير وتخوين، استثنى بعض القوى السياسية التي لم تشارك في حفلة التفاهم الرئاسي، الذي أنتج عهد عون، وعذر بعض المشاركين فيها الذين عادوا فانسحبوا متأخرين، قبل وبعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وفتح الباب لصفحة جديدة من التعاون المفترض بين هذه القوى وبين الكتل الناشئة المؤهلة لأن تلعب دوراً حيوياً في البرلمان المقبل.

 

هذا الاستثناء مردّه عدم انخراط هذه القوى بالفساد وعدم التفريط بالثوابت السيادية، وبالتالي طويت مع نتائج الانتخابات وما انتجته من كتل ستواجه مشروع “حزب الله”، صفحة سوداء من الاداء الرمادي، وفتحت صفحة جديدة معززة بكتل نيابية لن تمارس مرة ثانية خطأ الدخول في تسويات معروفة النتائج، سواء في تشكيل الحكومة، أم في انتخابات الرئاسة، ولن تعطي توقيعها على اي استسلام جديد يلبس لباس التسوية المزيفة، وستبقى ذكرى التسوية الرئاسية التي سرّعت الانهيار ماثلة في أذهان الجميع.

 

ويبقى السؤال: هل ستجد القوى السياسية الفائزة والمتصدّرة في النتائج، وقوى التغيير والمجتمع المدني التي اخترقت بوضوح في بيروت والجبل والجنوب والشمال، هل ستجد جميعاً نفسها امام مسؤولية ايجاد تفاهم داخل البرلمان وخارجه على اطار من عناوين محددة تعمل وفقها متضامنة؟ أم أنها ستشتت هذه الاندفاعة باتجاه التغيير، في رحلة ضياع جديد، لن يستفيد منها الا من يراقب بخشية وبحذر امثولات التصويت وعبره؟

 

المسؤولية في ايجاد هذا الاطار لا تقع فقط على الكتل السياسية الكبيرة التي من المفترض أن تبادر، بل ايضاً على القوى الفائزة من المجتمع المدني التي لا بد ستبدأ رحلتها باعتماد الواقعية السياسية ولا تترجم هذه الواقعية، الا بالعمل وتكوين كتلة وطنية يكون هدفها اعادة بناء دولة، بعدما قضت المنظومة على آخر ما تبقّى من مؤسسات.

 

ستبدأ المهمة الصعبة بالتعامل مع تشكيل الحكومة الجديدة، وهي مهمة لم تعد تنفع فيها أنصاف الحلول، فإما حكومة متجانسة تحكم ببرنامج انقاذ واضح، أو معارضة بالسقوف العالية، لا تلون فيها، في حال شكّلت حكومة أمر واقع بضغط من السلاح.