Site icon IMLebanon

الإنتخابات ومفاهيم الديموقراطية الصحيحة

«الديموقراطية هي مبدأ الاتفاقات بين الخبثاء، والمؤامرات من أجل تهديم الشأن العام» – داريوس

يتطلّب إسقاط مقاربة داريوس للديموقراطية عدم حصر الإنتخابات بمجرد تقنيات على علاقة بالقانون وآليات الترشيح والاقتراع والفرز وغيرها من التفاصيل، ومقاربتها على أنها ثقافة سياسية وشعبية وحزبية متكاملة ركيزتها الفكر والمشروع والأداء والصدق مع الذات والآخرين.

وإذا غابت هذه المواصفات عن الإنتخابات، فعبثاً نبحث عن قوانين وتقنيات تعدل بين الناس وتضمن تكافؤ الفرص، وعبثاً نرفع شعارات صحة التمثيل والديمقراطية والإنتاج الصحيح للسلطة.

صحيح أنّ من حق كل حزب أو مجموعة سياسية أو فرد أن يسعى للوصول الى السلطة ولكن لا يجوز أن يكون الوصول بأيّ ثمن وتحت شعار: «الغاية تبرر الوسيلة».

فالتحالفات – مثلاً – لا يجوز أن تكون مجرد تحالفات انتخابية هدفها الفوز بمقعد نيابي أو الخروج بكتلة نيابية كبيرة من دون أن يكون للمتحالفين مشروع واحد وتصور واحد وخطة عمل واحدة خلال ولايتهم النيابية. ففي مثل هذه الحالات سرعان ما يتفرق «الحلفاء» بعد انتهاء العملية الإنتخابية لكي «يغني كلّ منهم على ليلاه».

وغالباً ما ينقلب التحالف الى مواجهات وصراعات سياسية يدفع النظام السياسي والديموقراطية والحياة السياسية ثمنها، ويتحول الناس ضحية في لقمة عيشهم واستقرارهم ومستقبلهم…

مثل هذه التحالفات هي عملية «بَلف» للناس وتزوير مسبق لنتائج الإنتخابات لأنها تقطع الطريق على التنافس الحقيقي للمشاريع والتصورات وتستبدل التنافس الديموقراطي بالوصولية والإنتهازية.

إنّ ملامح التعاطي السياسي والحزبي مع الإنتخابات النيابية المقبلة في لبنان، والتبشير بانتخابات الـ 86 بالمئة، ينذر بتحويل الحياة السياسية عندنا نسخة من نماذج أنظمة الـ»99 بالمئة» التي كانت تنتهي بها «انتخابات» بعض الأنظمة التي انفجرت شعوبها في وجه الاستبداد والديكتاتورية.

والمؤسف فعلاً هو أنّ من دأب تاريخياً في لبنان على انتقاد هذه الأنظمة، خصوصاً على الساحة المسيحية، بات يتصرف ويسعى لاستنساخ تجارب سياسية وانتخابية أحادية يمكن أن ينجح من خلالها مرحلياً في الحصول على كتلة نيابية كبيرة، ولكنه سيجد نفسه ومجتمعه وبيئته السياسية في وقت ليس ببعيد أمام خسارة تصيب النظام الديموقراطي في جوهره وأسسه بما لا يمكن أن يعوّضه عدد النواب وحجم الكتل النيابية التي يحصل عليها هذا الحزب أو ذاك.

لقد تناول البابا القديس يوحنا بولس الثاني، خلال فترة حبريته، مفهوم البعض للديموقراطية على أنها «إرادة الأغلبية»، معتبراً أنّ هذا المفهوم يناقض المبادىء التي قامت عليها الديموقراطية، ويحوّلها نوعاً من الشمولية أو السلطوية.

ورأى «أنّ الدولة في هذه الحالة لا تعود بيتاً مشتركاً يلوذ به الجميع على أساس المساواة في الحقوق الأساسية، ولكنها تتحول دولة ظالمة وطاغية تعطي نفسها حق إعدام الضعفاء والمستضعفين من الأفراد، من الذين لم يولدوا بعد إلى الذين بلغوا أرذل العمر، وكلّ ذلك باسم الحفاظ على المصلحة العامة التي ليست في الحقيقة سوى مصلحة طرف في اللعبة الديمقراطية».

إنطلاقاً من هذه المقاربة، فإنّ المطلوب للخروج بلبنان من أزمته السياسية والوطنية انتخابات تفوز فيها التعددية والتنوع والديموقراطية ولو على حساب الأحجام المنتفخة التي يسعى اليها البعض.

والمطلوب انتخابات تنتج أكثرية منسجمة تحكم وأقلية تراقب وتعارض وتحاسب.

أمّا خوض الاستحقاق الإنتخابي المقبل بتسوية سياسية توزّع المقاعد النيابية على أركان هذه التسوية وتنتهي بمجلس نيابي فاقد لمقومات المعارضة بحجة «الحفاظ على الاستقرار» فيعني أننا نضحّي بالحرية! وعندها، من المفيد أن نتذكر مقولة بنيامين فرانكلين: «أيّ مجتمع يضحّي بالحرية ليحقق الأمن لا يستحق كليهما، لا الأمن ولا الحرية».