Site icon IMLebanon

الانتخابات وتفكك العائلات

 

الانطباع ان الانتخابات البلدية، مشكلة اجتماعية، كونها تباعد بين الناس، في البلدة، والحيّ والبيت الواحد أحيانا… ومن هنا خوف السلطات من الانتخابات البلدية على الأمن بمختلف أشكاله، أكثر منه حيال الانتخابات النيابية…

 

هذا الانطباع بات محل اعادة نظر من جانب المتابعين للحملات الانتخابية الناشطة في لبنان الآن، بسبب ما أفضت اليه من تباعد عائلي وتفسّخ أسري، عبر ظواهر اجتماعية غير مسبوقة تتمثل بترشح الابن ضدّ أبيه، والأخ بوجه أخيه، وفي بعض الدوائر، نجد إبن الأخ باللائحة المنافسة لعمّه، أو إبن العمّ لإبن عمّه، في أوسع بازار انتخابي، لا مثيل له في تاريخ الكيان اللبناني المعاصر…

البعض يرد هذه الظواهر، الى نقص في التربية، العائلية والوطنية معا، والى تحوّل المدارس على أنواعها من التربية الى التعليم فقط، والجامعات الى مصنع للعقول المتناسبة مع حاجات الشركات الكبرى، العاملة حسب مقتضيات نظام السوق المتحكّم بمسالك الحياة.

وثمة من يعزو ذلك الى طبيعة الحياة العصرية، المتخطية للتماسك الأسري، فضلا عن تراجع النظام الأبوي أمام هجمة دعاة الحقوق المدنية وخاصة ما يتناول باقي أفراد الأسرة، ما يغلب الأنا على النحن، والنرجسية الضيّقة على فضيلة الجماعة، بما يتطابق مع نظرية غاندي القائلة: الفردية المطلقة، هي شرعة وحوش الغابة…

ومما فاقم هذا الوضع، غياب الفكر السياسي، وبالتالي تحوّل معظم المرشحين عن القضايا الوطنية الحقّة والساعية للخير العام، تحت ضغط واقع الحال السياسي، نحو الخدمات الفردية المطلوبة بإلحاح، في زمن التضخم والعجز وتجاوز الدين العام ضعف الناتج المحلّي…

جاء قانون الانتخاب الجديد بصوته التفضيلي الواحد، ليعزز النزعة الفردية التي هي طبع غالب اللبنانيين، وليحوّلهم الى حلفاء متنافرين، أو خصوما متنافسين، في معركة ظاهرها السعي الى صحة التمثيل، وباطنها، تكريس البلد، حارة كل من يده له، في ظلّ ظروف اقليمية قابضة، وقادرة على تحويل صحة التمثيل، الى صحة التحاق واستتباع الى حيث تأخذنا الرياح العاتية…

ويبقى من أسباب الفرقة التي كشفها قانون الانتخاب، الفساد وما يحدثه من فوضى في الدولة والمؤسسات.

وأفضل تعريف لهذه الآفة واسبابها قول شاعر حكيم: انه بتقديم الذيل على الرأس، وتخدير الحاضر بالأمس، وتوزيع الخوف مع اليأس، وتقديس الشرطة والعسس، والباقي.

وليس كل هذا عندنا بالطبع، لكن الخوف من السيئ، يجنبنا الأسوأ.

ومع كل ذلك تبقى الانتخابات دليل حياة، واثبات على صمود لبنان وعلى التزامه بالديمقراطية، كما قال في روما الامين العام للأمم المتحدة غوتيريس امس، بافتتاح مؤتمر دعم القوات المسلحة اللبنانية، مع تأكيده على استقرار لبنان الذي هو عامود اساسي من اعمدة استقرار المنطقة.

انه يتحدث عن الجانب المضيء للانتخابات، وعلى أمل أن تمتد هذه الاضاءة الى الجانب الذي يبدو مظلما من الداخل اللبناني.