IMLebanon

الانتخابات وثمن الصراع بين مشروعين مستحيلين

 

كما في قانون الانتخاب كذلك في مسار العملية الانتخابية: لا شيء يدفع أركان السلطة الى النأي بالنفس عن التدخّل بكل الوسائل لخدمة مصالحهم. ولا مجال لأن يمارس هؤلاء عمليا في الصراعات الداخلية ما اكتفوا بممارسته نظريا وخطابيا في صراع المحاور الاقليمية. أقصى ما يمكن الرهان عليه هو الحرص على حدّ معقول ومقبول من التنظيم التقني واللوجيستي لاجراء الانتخابات. وآخر ما يجوز ان نتوقعه من مسؤولين مرشحين يديرون معاركهم الانتخابية ويتنقلون من مهرجان الى آخر هو الحياد السياسي والوقوف على مسافة واحدة من المتنافسين في معركة يصرّ الجميع على القول انها مصيرية. فالذين يعلنون ممارسة الحياد يقومون بنوع من خداع الناس. والذين يطلبون منهم الحياد يمارسون خداع النفس.

ذلك ان الغائب هو الأكثر حضورا في الشعارات: مشروع بناء الدولة. واللافت هذه المرة هو قلّة التركيز على الشعار الذي كان العنوان الكبير لمعركة ٢٠٠٩: العبور الى الدولة. فهو شعار أدبي رومنطيقي جميل، لكنه خاطئ سياسيا. إذ يوحي ان الدولة هي على الضفة الأخرى وليس علينا سوى العبور اليها. في حين انها ورشة بناء تحتاج الى عمل يومي دستوريا وقانونيا وسياسيا وقضائيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.

 

والكل يضع الناخبين أمام خيار دقيق بين مشروعين وخطين يحاول كل طرف تجميل مشروعه وشيطنة مشروع الطرف الآخر، وهما عملياً مشروعان لا فرصة لتحقيق أي منهما. أولهما مشروع بناء دولة مدنية ديمقراطية يعرف الداعون إليه، بصرف النظر عن النيات والرغبات، أنه كان ولا يزال يصطدم بجدار قوى محلية نافذة تعيش على العصبيات الطائفية والمذهبية وتدعو الى تجاوزها وهي تلعب بها. وثانيهما مشروع بناء دولة هي جزء من مشروع إقليمي كبير يصطدم بقوى إقليمية دولية تراه مناقضاً لرؤيتها ومصالحها وتعمل على ضربه، وإن بدا أنه يتقدم في المنطقة.

واللبنانيون يدفعون الثمن في كل الأحوال. يدفعون ثمن التعثر في بناء مشروع الدولة المدنية، وثمن رهانات أمراء الطوائف على تكبير الحصص والرساميل عبر الذهاب الى النهاية في توظيف العصبيات الطائفية والمذهبية، وثمن اختصار الدولة بالسلطة. ويدفعون ثمن العمل لمشروع إقليمي كبير يلغي خصائص لبنان، وثمن الإندفاع الإقليمي والدولي لضرب هذا المشروع اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ومنع إقامته، وثمن العجز الواضح لأي مشروع إقليمي عن حسم المعركة لمصلحته في صراع المحاور، وثمن المكابرة في الإصرار على استمرار النزف في الصراع من دون تقديم التنازلات الضرورية لترتيب التسويات السلمية.

والأخطار مستمرة ومتجدّدة، والمواجهات موسمية.