Site icon IMLebanon

الإنتخابات… بين التكريم والمحاسبة

الانتخابات النيابية على الأبواب، أو هذا ما هو مفترض أن يكون، خصوصاً أنّ كلّ القوى السياسية تُجاهر بأنّها لن تمشي بالتمديد مرّة جديدة وبأنّها تستعد لكي تخوض غمار الانتخابات النيابية بكلّ قواها وحيث باستطاعتها ذلك.

صحيح أنّها لم تتفق لا على شكل القانون ولا على التقسيمات الانتخابية، وهذا ضربٌ لمبدأ حق المعرفة المكرّس في الأنظمة الديموقراطية، إلّا أنّها لن تتمكن من الهروب منها وهي تعمل على تهريب قانون يمدّد لها من دون حق وعبر صناديق الاقتراع.

إذاً نحن أمام استحقاق انتخابي، والانتخابات في البلاد الديموقراطية، ولبنان منها حتى إشعار آخر، هي قبلَ كلّ شيء امتحانٌ لكلّ من المرشحين والناخبين والدولة المشرفة على كلّ مراحله… وكما يقول المثل الشعبي «عند الامتحان يكرَم المرء أو يهان».

المرشحون الذين لا همَّ لهم إلّا الوصول سيستعملون كلّ الوسائل للبقاء في مراكزهم، من تسخير القوانين والأموال العامة والإعلام وغيرها… الدولة، أي أجهزة الحكم ستتواطأ حكماً مع هؤلاء، ما يهمّنا اليوم هو قرارات الناخبين وخياراتهم التي سيتّخذونها عند عتبة هذا الامتحان، خصوصاً أنها سترافقهم أقلّه طوال أربع سنوات، ووحدهم من باقي الفرقاء عليهم تحمُّل تبعات قراراتهم.

والتكريم كما المحاسبة واجب على كلّ ناخب منهم، خصوصاً أنّ السادة النواب حرَمونا من هذا الحق منذ العام 2013 موعدِ إجراء الانتخابات النيابية المؤجّلة إلى يومنا هذا.

ومن عادات الشعوب التي تتحكّم بمصيرها أنّها تحاسب من أولَته الشأنَ العام في حال كان مقصّراً أو غائباً عن تحمّلِ مسؤولياته، وتُطاول عملية المحاسبة هذه حتى النواب والمسؤولين الذين عاكسَتهم الظروف الاقتصادية أو المالية أو حتى السياسية… مع ما يستتبع هذا الإجراء من تداولٍ حتمي في السلطة يؤدّي إلى تبدّلٍ حقيقي في وجوه الطبقة الحاكمة، سواء من ناحية الأفراد أو الأحزاب، وبالتأكيد المشاريع على مختلف أنواعها، وهذا التداوُل قد يُقصي أفراداً ومجموعات تاريخية ولكنّه يمنع بالتأكيد انهيار وطن بأكمله.

فالتعاطي الشعبي مع الشأن العام لا يجب أن يعرف محاباةً أو مسامحة أو البقاء على تقليد معيّن، وبالطبع لا تكريم مجانياً لأحد… إذ إنه من عادات الدول التي تَحكمها مؤسسات فاعلة وعاملة أن تكرّم كلّ من قدّم خدمة جليلة لمجتمعها، سواء أكان كاتباً أو فنّاناً أو مخترعاً، ومن الممكن أن تُكرّم أشخاصاً أثبتوا اندفاعهم في ظروف صعبة، فأنقذوا أرواحاً أو حافظوا على أموال عامة كانت معرّضة للسرقة والهدر، كما قد تُكرّم كبار موظفيها الذين أحالهم العمر إلى التقاعد، فيكون التكريم نوعاً من بلسمةٍ لجراح خريف العمر القادمين إليه.

ومن تقاليد هذه الدول أن تضع قواعد قاسية وموحّدة للّذين يستحقّون التكريم… وبالطبع لا مكان في عاداتها لتكريم الساسة بإعادة انتخابهم إلّا إذا قاموا بواجباتهم.

من هنا أعتقد، لا بل أجزم، بأنّنا نستطيع أن نحاسب أغلبية نواب الأمّة، خصوصاً أنّ السنوات الماضية كانت عجافاً إنْ على الصعيد السياسي أو التشريعي أو الرقابي… وبات علينا أن نمنحَهم أوسمة تقاعُد بدل مراكز في الندوة البرلمانية التي تستحق جيلاً جديداً يتعاطى بكلّ جدّية مع قضايانا اليومية والحياتية… خصوصاً أنّ لبنان كما المنطقة يقف أمام العديد من التحدّيات التي قد تُبدّل تركيبته ودورَه إلى الأبد، لا سيّما إذا ما استمرّ تعاطي هذه الطبقة مع الشأن العام على أنّه ملكٌ خاص يعود لها ولأولادها من بعدها… وهذا التبديل مسؤولية كبرى على ناخبٍ استقالَ من واجب المحاسبة وتعلّقَ بتكريم جلّادِه، وقاتِل طموحاته، ومهجِّر أولاده.