أن تتقاطع تأكيدات من خلفيات سياسية مختلفة على التفاؤل بقرب الاتفاق على قانون للانتخاب وعلى التفاؤل فوق ذلك بقرب حصول الاستحقاق الانتخابي نفسه فهذه أجواء يفترض التعامل معها بجدية وحرص وانتباه في نفس الوقت.
بالمطلق لا يمكن المفاضلة بين النظامين الاكثري والنسبي. يمكن المفاضلة طبعاً بين نظام اكثري يعتمد بشكل صحيح، وهذا شرط تصغير الدائرة فيه، وبين نظام اكثري يعتمد الدوائر المتفاوتة الحجم والمقاعد الامر الذي ينعكس تفاوتاً في حجم التمثيل ويقلّص مساحة التمثيل ايضاً. ويمكن المفاضلة بين نظام نسبي وآخر، ايضاً من حيث حجم الدائرة، والعتبة المطلوبة للائحة، وأسلوب التفضيل للأسماء عليها، لكن كذلك من حيث توزيع الدوائر. كذلك يمكن التفضيل بين نظام مختلط وآخر، ليس فقط بعدد المنتخبين بالنسبي وعدد المنتخبين بالاكثري، بل ايضاً بالمقصد العام من الخلط بين النظامين – مثلاً، لو كان البلد ينتخب نصف نوابه بالدائرة الفردية على قاعدة النظام الاكثري / صوت واحد لكل ناخب/ ونصفهم الآخر بالدائرة الواحدة لكل لبنان على قاعدة النظام النسبي، لكانت علة الاختلاط متينة ومنهجية، والهدف منها تكاملي بين سماع صوت البيئات المحلية حيث التواصل المباشر بين النائب وأهل دائرته، وبين ميزان القوى السياسية العابرة للمناطق والجماعات الاهلية، الامر الذي ينسجم مع الطبيعة المزدوجة للمجلس النيابي، كمجلس تمثيلي وكمجلس تشريعي.
ان يكون السير آن بالنسبية مثلاً، فهذا يتوقف وزنه على المقدار الذي سيكون فيه القانون الانتخابي قادراً على المواءمة بين التصويت على اساس نسبي وبين الانتخاب على اساس الطائفة والمنطقة، وقادراً على تكريس وحدة المعايير وتقسيم الدوائر بشكل متوازن ومفهوم. حتى الساعة لا يمكن الجزم بأن كل شيء صار واضحاً، ولا يمكن التطوّع بإيضاحه بالرغبات وحدها.
يبقى ان الأهم هو اجراء الانتخابات. التأخير لم يعد مجرد مراوحة ومد وجزر. التأخير في القانون وفي الانتخابات صار اكثر خطورة من ذي قبل. والضغط من اجل استحقاق انتخابي في وقت قريب صار قناعة منتشرة بين الناس، يخطئ من يهوّن من شأنها.
يبقى فهم على اي اساس سياسي هذه الانتخابات، ان مرّ كل شيء على صعيد القانون على ما يرام، ستخاض. لا، لا يمكن ان تخاض باستعادة اجواء ٢٠٠٩. القوى التي يهمّها ان يخطو البلد في اتجاه علاقات سوية بين تكويناته، في اتجاه تحديث لمؤسسات دولته، في اتجاه تحريك لعجلة الاقتصاد وربطه بحساسية اجتماعية جدية، والتي يهمّها توسيع تراث الاحتكام الى القانون، ورفض ثقافة تمجيد العنف والاحتكام اليه في الصراعات الداخلية، والتي تجد ما يناقضها مع «حزب الله» حول هذه النقاط جميعها، هي قوى عليها ايضاً اعادة الشغل على نفسها مع إقرار قانون الانتخاب، كي تحدد بشكل واضح ونافع العناوين الاساسية لخوض الاستحقاق.
فالانتخابات ليست فقط مسألة «تسويق». الماركتينغ مهم، ومواكبة التقنيات التواصلية الجديدة اساسي، لكن الانتخابات قبل كل شيء هي طرح شعار سياسي ينجح في التقاط سمة اللحظة المقرر فيها الاستحقاق. تركيز كافة القوى على «معركة قانون الانتخاب» جعلها تظهر كما لو ان قانونها الانتخابي المرغوب هو برنامجها الانتخابي، وشعارها. لكن هذا ليس صحيحاً. فما يكون الشعار الذي على اساسه يجري الاحتكام للصناديق. شعارات ماضية؟ شعارات ماضية ندافع عن راهنيتها؟ شعارات مفتوحة على الغد؟ في أقلّ الايمان، لا ينبغي الاستهانة بحقيقة ان الوقت حان للتفكير ايضاً بالمآل السياسي للاستحقاق، بماهية الشعارات التي ستتبارز فيه.
الانتخابات لا تُخاض بين «قوانين للانتخاب»!