المشهد الأممي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك كان بانوراميا وساطعا تحت الأضواء المسلطة عليه من كل أنحاء الدنيا… ولكنه كان أيضا صادما بما تخلله من مفارقات وتناقضات حادة وغير مستساغة. وكان خطاب ممثل الدولة الأعظم في العالم في حفل الافتتاح، الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمثل مفارقة صادمة بالمقارنة مع مواقف دول أخرى عظمى عالميا أو اقليميا، أو حتى دول صغرى وهشة مثل لبنان. اختزل الرئيس الأميركي ترامب في شخصه ومواقفه كل طغاة التاريخ ليهدد دولا أخرى بالابادة وازالتها عن الخريطة وليقدم مثالا عن القوة الغاشمة في خدمة الطغيان، بدلا من مثال القوة المستنيرة الموظفة في خدمة السلام العالمي وازدهار شعوب الكوكب! وبدا ترامب وكأنه التوأم الفكري والروحي والأسطوري لرئيس الدولة التي يهددها بالابادة، كوريا الشمالية! وقدم ترامب نموذج الدولة الأعظم التي تصغر بقائدها، بالمقارنة مع خطاب رئيس دولة صغيرة مثل لبنان الرئيس العماد ميشال عون الذي تميز خطابه باتساع الرؤية والأفق البعيد والرصانة والحكمة والسيادة، وقدم النموذج المعاكس للدولة الصغيرة التي تكبر بقيادتها…
غير أن لبنان على المطلّ العالمي هو غيره في الداخل الوطني والاقليمي! وفي مقابل الاطلالة الأممية المشرقة، كانت سلسلة المشاهد الداخلية وذات البعد الاقليمي تعكس أصداء محبطة وقاتمة، وتدعو الى مزيد من الأسى! أليس من المؤلم والمؤسف أن يتوصل لبنان الى إعداد قانون انتخاب يمثل نقلة نوعية نحو النسبية – وان لم يكن مثاليا – بعد عقود من قوانين المحادل والبوسطات، ثم يغرق السياسيون اليوم بنقاشات عبثية حول اصلاحات هي أقرب لأن تكون كلمة حق يراد بها باطل؟! وما نفع الاصلاح بالبطاقة الممغنطة أو بالهوية البيومترية اذا كان الهدف منها الصفقة والبخشيش أولا، أو الوصول الى تأجيل اضافي لموعد الاستحقاق الانتخابي؟! أليس من المهزلة أن تصبح الانتخابات النيابية في خدمة البطاقة الانتخابية، بدلا من أن تكون البطاقة في خدمة الانتخابات؟! ثم أليس من المزعج هدر الوقت والجهد والمصلحة الوطنية في جدل بيزنطي حول العلاقة مع الجارة سوريا التي تحيط بلبنان من كل جانب تقريبا، وكأن القضية علاقة تتعلق بشخصية الرئيس بشار الأسد، وليس قضية صراع مرير على وشك أن ينتهي في الشرق الأوسط ككل وليس في سوريا وحدها؟!