يبدو أنّ «مؤامرة قانون الانتخاب» التي سبق أنّ قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «إنّنا أسقطناها»، لم تسقط بعد. فبعد أن نزع «التيار الوطني الحر» و»القوات» الميثاقية عن جلسة اللجان النيابية الأخيرة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري للبحث في قوانين الانتخاب، عاد بري ودعا الى جلسة مماثلة الأربعاء المقبل. إصرار بري هذا أدرَجته جهات عدة في خانات مختلفة، واعتبرت أنّه رسالة متعددة الأوجه، حكومياً وتشريعياً، وتصل الى استحقاقي الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة. فكيف سيُواجه «التيار» و»القوات» «معركتهما المشتركة» هذه المرة؟
على جدول أعمال الجلسة المشتركة للجان النيابية الأربعاء المقبل 4 اقتراحات قوانين متعلقة بالانتخابات النيابية، ومن بينها اقتراح قدمته كتلة «التنمية والتحرير»، المعروف بـ»قانون بري»، والمُرتكز الى اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، والذي تعارضه كتل نيابية وسياسية عدة، لا سيما منها المسيحية التي تعتبر أنّ المُراد منه الوصول الى «حكم العدد» و»الديموقراطية العددية» بدلاً من الديموقراطية التوافقية التي ينص عليها الدستور و»اتفاق الطائف».
وبالتالي، يعرف بري مدى الحساسية التي يثيرها هذا الطرح وأنّه سيشكّل «مشكلة كبيرة» في البلد، وانطلاقاً من ذلك الى جانب أنّ الأولويات الملحّة الآن في البلد مختلفة، وضعت جهات سياسية عدة إصرار بري على بحث قانون الانتخاب في خانة «الضغط والمناورة، لمقايضة سحبه بأمور أخرى، من التدقيق الجنائي الى الملف الحكومي، أو لمحاولة تطيير الانتخابات المقبلة بسبب الخلاف على قانون الانتخاب أو أهدافٍ أبعد تصل الى الانقلاب على النظام».
هذا الربط وهذه النظريات كلّها تثير «الاستغراب»، بحسب مصادر حركة «أمل»، التي تذكّر أنّ «قانون الانتخاب الموضوع على جدول أعمال جلسة الأربعاء سَبقَ أن طرحه بري في أول جلسة لمجلس النواب الحالي». كذلك تذكّر بـ»أننا سبق أن قلنا إنه يجب مباشرة، بعد أول انتخابات على أساس قانون الصوت التفضيلي الحالي، درس وإقرار مشروع قانون انتخابات جديد». وإذ تؤكد أنّ الجلسة التي دعا إليها بري لدرس قوانين الانتخاب «ليست رداً على أحد أو استهدافاً لأحد»، تسأل: «لماذا يخافون هذه الجلسة؟ ولماذا افتعال المشكلات؟ وهل هذه المعارضة؟». وتقول: «يحقّ لكل طرف أن يُبدي رأيه، والرئيس بري لا يحمل العصا ليفرض على أحد القبول بمشروعه، ويُمكنهم طرح مشروع بديل، أو مناقشة مواد الاقتراح الذي قدمناه أو غيره». وتؤكد أنّ «طرح هذا القانون ودرسه هو خطوة إصلاحية في اتجاه الدولة المدنية، وهو ليس مطروحاً ضد أحد، بل للنقاش».
هذه الأسباب غير مقنعة بالنسبة الى «التيار» و»القوات»، فإنّ الوصول الى الدولة المدنية يتطلّب إجراءات كثيرة تسبق إقرار قانون انتخاب «يضرب تمثيل المكونات كافة بعدالة، ويفرض غلبة فئة على أخرى».
ولِتبيان طريقة مواجهة هذه الجلسة لدرس قانون الانتخاب، سيعقد «التيار» اجتماعاً لتحديد موقفه قبل الأربعاء المقبل. وهو يعتبر أنّ «هذه الجلسة لا تحصل بهذه الطريقة من دون توافق أو مشاورات مع جميع الأطراف، خصوصاً أنّ هناك محاولة بهذا الطرح الجديد لقانون الانتخاب لإلغاء مفاعيل التوازن والتمثيل، وإدخال تعديلات جوهرية على النظام». وتؤكد مصادر «التيار»: «سنشكّل «لوبي» مع بقية الأطراف على الأولوية الآن، فهل هي الجلوس في مجلس النواب للبحث في تعديل قانون الانتخاب أو للبحث في التدقيق الجنائي بعد انسحاب شركة «مارشال وألفاريس» على سبيل المثال؟»، معتبرةً أنّ «هناك محاولة لتضييع البوصلة بنحو كامل ورسمي».
وبالنسبة الى تأمين النصاب لعقد الجلسة، تؤكد مصادر «التيار» أنّ «النصاب ليس المهم بل التوافق الوطني الذي يمثّل جميع الأطراف اللبنانية، خصوصاً أنّه لجهة التمثيل هناك مَغبونية كبيرة عاشها فريق في الوطن لـ20 عاماً على أقل تقدير. وهذا الأمر لا يُحلّ بتوافر النصاب أو عدمه بل بالتوافق مع المكونات اللبنانية». وتشير الى «أنّ «التيار» سيُشَرّح الأسباب الكامنة وراء إصرار بري هذا، وسيعلنها في الوقت المناسب».
لجهة «القوات»، فإنّها، وفي إطار دعوة جعجع الى «المقاومة السلمية»، ستمنع «تغيير وجه البلد من خلال قانون الانتخاب، أي وجه لبنان المتعلق بميثاق 1943 والتعايش المسيحي ـ الاسلامي والديموقراطية التوافقية والانتخابات التي تعكس حقيقة التوازنات بين الجماعات وتَمنح القدرة للأفراد لكي يثبتوا أنفسهم وقدراتهم ضمن هذا النظام، ولبنان الحرية والديموقراطيات والتعدد والتنوّع». فـ»القوات» تعتبر أنّه «من خلال الإصرار على تغيير قانون الانتخاب، هناك محاولة جدية لتغيير وجه لبنان من أجل الذهاب الى الديموقراطية العددية التي يتحكّم بها طرف واحد من أجل أن يُبقي على سياسة الأمر الواقع، وعلى لبنان ساحة مُستباحة، وعلى منطق عدم قيام الدولة، وألّا يتحقق الحياد وألّا تقوم دولة المؤسسات وأن تبقى شريعة الغاب».
وبالتالي، ترى «القوات»، وفق مصادرها، أنّ «أي مَس بقانون الانتخاب الحالي هو محاولة انقلابية على الدستور والميثاق، وهذه المحاولة الانقلابية لن تمرّ»، مؤكدةً «أنّها ستذهب في هذه المواجهة حتى النهاية». وتستغرب المصادر القواتية أنه «بدلاً من أن يكون التركيز الآن مُنصَباً على إخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية والمعيشية وعلى تأليف الحكومة المطلوبة، هناك من يفكر بسياسة النفوذ والوقائع وبطريقة الحفاظ على الأكثرية النيابية». وبالتالي، بالنسبة الى «القوات»، هناك «3 أهداف من هذا التركيز على قانون الانتخاب: الخشية من انتخابات نيابية مبكرة أو في موعدها لأنّ هذا الفريق بات متأكداً من أنّ الناس ضده وضد خياراته وأسلوبه، من أجل أن يحافظ هذا الفريق على أكثريته لكي يُبقي على تحكّمه بالقرار، ومن أجل أن يحافظ على ترسانته والانقلاب على دور لبنان التاريخي وعلى الدستور المستمرّ منذ عام 1990 حتى الآن».
وتؤكد «القوات» أنّها «ستتصدى لكل هذه المحاولات، وستتقاطَع مع من يجب أن تتقاطَع معه في مجلس النواب، من أجل إسقاط هذه المحاولة».