ما تشهده «الرابطة المارونية» من كباش سياسي صرف عشية انتخاباتها المقررة في 19 من الجاري، لم يعرفه النادي الماروني النخبوي منذ تاريخ تأسيسه عام 1952. شد الحبال وصل الى امتناع كثيرين عن التصريح خشية أن تنقلب الحسابات وتُخلط الأوراق مجدداً. المصالحة العونية ـ القواتية ثبّتت أقدامها لدى أنطوان إقليموس في لائحة متوقع لها الفوز ولكن لا شيء مضمون. حزب «الكتائب» يقف، كعادته، على «شوار» المواجهة التي فرضها تحالف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» ضد كل القوى الأخرى، وخصوصاً تيار «المردة». «عقدة زغرتا» ستحدد مسار الانتخابات، حيث أن تبلور ما ستقرره بنشعي لناحية الاستمرار في المواجهة أو سحب الترشح لتفوز لائحة إقليموس.
لا أحد يسمّي السياسة باسمها، لكن العراك الخفي الحاصل بخلفيات سياسية يئن تحت أوراق المرشحين. في الواقع لم يكن أحد يظن أن الأمور ستتدحرج الى هذه الدرجة. ولكن ارتفاع الحمى السياسية تسبب على ما يبدو بارتفاع حرارة انتخابات الرابطة.
ثمة رأيان يحكمان النقاش حول انتخابات الرابطة: الأول يقول إن استبعاد مرشح «المردة» العميد المتقاعد إبراهيم جبور هو استبعاد متعمد لفرنجية خارج سرب الرابطة المارونية. والثاني يضع الأمر في سياق ديموقراطي بدليل أن ترشيح توفيق معوض على مقعد نيابة الرئاسة في لائحة اقليموس يُعد مقرباً من عون وصديقاً لفرنجية وبالتالي لا نية لإقصاء أحد ولا فيتو على أحد، علماً أنه يُنقل عن فرنجية نفسه بأن «معوض لا يمثلني»، وقد تردد في هذا السياق أن «كلاماً واقفاً» تم تبادله بين معوض وأحد الأساقفة الموارنة في بكركي.
كما أن هناك رأياً آخر واكب معظم انتخابات الرابطة يرجّح أن تكون المرحلة المقبلة مفتوحة على سحب ترشيحات، خصوصاً أن قنوات الاتصال مفتوحة بين بنشعي وبقية الأطراف المارونية المعنية للاتجاه نحو تزكية لائحة إقليموس الذي حرص في مؤتمره الصحافي أمس على أن يوجه رسالة تطمينية إلى جميع المعنيين. وإذا سلّمنا جدلاً أن المشهد بات منقسماً بين كسروان والمتن وبقية المناطق وزغرتا فإن أحدهم يستند الى توزع المنتسبين في الرابطة كي يؤكد فوز لائحة إقليموس على قاعدة أن عدد المنتسبين في كسروان 211 وفي زغرتا 67.
بعد شروط وشروط مضادة وُلدت لائحة إقليموس التي، كما يقال في حفل إعلانها، لا تهدف إلى أن تكون «حزباً سياسياً إضافياً». لكن البعض ممن يقدم نفسه حريصاً على مستقبل الرابطة يغمز من قناة «الى متى قد يدوم الوفاق الحاصل حالياً بين القوات والتيار؟ هذا لا يعني أننا نريد العودة الى الخلافات ولكن أي التباسات لاحقة ستنعكس سلباً على المجلس التنفيذي للرابطة». وهنا السؤال: هل حقاً إقليموس حذف جبور من لائحته لكونه فقط مرشح فرنجية؟. يقول إقليموس لـ «السفير»: «هذا الكلام ليس في مكانه على الإطلاق، ونحن بتنا الآن في مرحلة أخرى هي مرحلة التحضير ليوم الانتخاب حيث يصار الى تزكية أو انسحابات وهذا ما تبت فيه الهيئة العامة». ولكن هل ثمة حسابات سياسية أخذت في تشكيل لائحتك واستبعاد مرشح فرنجية؟ يعلق: «لدينا حسابات مارونية وقد أخذنا بعين الاعتبار الحسابات السياسية واحترام إرادة كل شخص معني بهذا الموضوع. الوزير فرنجية نحترمه وله كل الحقوق مثله مثل غيره، ونحن لا نية لدينا لاستبعاد أحد وأنا أعتبر أنني أنا شخصياً أمثل الوزير فرنجية في اللائحة».
في المحصلة حضرت المحاصصة السياسية وبدأت ترتفع أصوات من داخل الرابطة: «حسناً.. الكل أخذ حصته ولكن أين حصة الرابطة؟». لا أحد في الواقع يبحث عن مصلحة الرابطة، وفق هؤلاء. فما يحصل يتناقض مع النظام الداخلي للرابطة الذي يقضي «بإبعادها عن التجاذبات السياسية لمصلحة العمل الفكري والدراسات»، خصوصاً أنها قد تجد نفسها مضطرة أن تكون وسيطاً بين متخاصمين، فكيف لها بلعب مثل هذا الدور وهي تنضح بالخلاف في تركيبتها الأساسية؟ حتى أن خرق النظام الداخلي للرابطة تبدى ليس في مستوى المرشحين فقط بل حتى في الأعضاء المنتسبين. يقول أحد قدامى أعضاء الرابطة: «لقد تغير اليوم مفهوم النخبة. فالرابطة ليست شعبوية. يشدد نصها على أنها أولاً لا تهدف الى الحلول محل الأحزاب، وثانياً أن من يريد الانتساب إليها يجب أن يكون قد توصل في إطار عمله الى مركز القرار لأنها تمثل كل القطاعات من خلال الموارنة الذين هم في مراكز القرار، وهذا ما لم يعد مطبقاً اليوم». ويخلص الى القول إن «هذا الأمر، إضافة إلى ما تشهده الرابطة اليوم والجو العام في البلد إنما هو من مظاهر التراجع الماروني بشكل عام».