IMLebanon

انتخابات بطريرك الكاثوليك: مصلحة مسيحيي الشرق فوق كل اعتبار

ينتظر أبناء طائفة الروم الملكيين الكاثوليك الأيام المقبلة لمعرفة خلَف البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، في الانتخابات «المحتدمة» بين خمسة مرشّحين. ثلاثة عوامل تحسم سير المعركة: رؤية الفاتيكان، ظروف المسيحيين في المشرق، وثقل الرهبانيات الناخبة لاختيار مطران يصلح لقيادة الطائفة في المرحلة المقبلة

يعكس الحضور شبه المكتمل لمطارنة الروم الملكيين الكاثوليك في سينودس البطريركية المخصّص هذا العام لانتخاب بطريركٍ جديد، «ضراوة» المعركة المحتدمة لخلافة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام. فمن أصل 33 مطراناً يحقّ لهم الاقتراع، غاب المطارنة أندريه حدّاد وعادل إيليا وفارس معكرون، كلّ لأسبابه، في ظلّ تنافس بين أكثر من أربعة مطارنة على الفوز بأصوات إخوتهم والتربع فوق كرسي البطريركية في دمشق.

يوم أمس، كان «روحيّاً» كما تجري العادة في اليوم الأول للسينودس. وبين الصلاة والعظة و«التأمل»، يصلح اليوم الأوّل أيضاً لاستطلاع الأجواء وتلمّس المرشّحين والناخبين، الاتجاه العام لرؤية الكنيسة المستقبلية، ورأي الفاتيكان والعوامل المؤثّرة في حسم خيارات الاقتراع.

لا شكّ في أن الظروف التي تمرّ بها كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، وسائر مسيحيي الشرق، خصوصاً في سوريا والعراق ومصر، تضع المطارنة أمام واقعٍ جديد، يحتّم عليهم اختيار الأفضل بينهم لقيادة أبناء رعيتهم، ونجاتهم من الجلاجل التي تقضّ مستقبل المسيحيين المشرقيين. وعلى هذا الأساس، بدا اهتمام الفاتيكان بانتخاب بطريرك جديد مكان لحّام، الذي قدّم استقالته بداية الرّبيع الماضي، وسارع الكرسي الرسولي في روما إلى قبولها، بدل أن تتحفّظ روما عن الاستقالة بانتظار حلول موعد الانتخابات نهاية العام الحالي، ويرأس لحّام سينودساً «إدارياً» في حزيران الحالي. إذ لا يخفي أكثر من مصدر تحدّثت إليه «الأخبار»، قلق روما من التطوّرات في المشرق على مستقبل المسيحيين المشرقيين، في ظلّ انتشار التطرّف وإعادة رسم الخرائط في الشرق، وما يتعرّض له المسيحيون في المنطقة، ما دفعها إلى قبول استقالة لحّام، والتوجّه للانتخاب لاختيار بديلٍ، يستطيع «لملمة» أواصر الكنيسة الممزّقة والإسهام في حماية أبناء رعيّتها.

في الأيام الماضية، ظهرت إلى العلن أسماء أربعة مطارنة يتنافسون على كرسي البطريركية، هم: مطران صيدا ودير القمر وتوابعهما إيلي حداد (من الرهبنة المخلصية)، النائب العام البطريركي في دمشق المطران جوزف العبسي (من الرهبنة البولسية)، مطران حلب وسلوقية وقورش وتوابعهما جان جانبارت (أبرشي)، ومطران الفرزل وزحلة والبقاع عصام درويش (الرهبنة المخلصية). ويوم أمس، دخل مطران حمص ويبرود وتوابعهما عبدو عربش (من الرهبنة الشويرية) على خطّ التنافس.

وبحسب النظام، فإن المطران الأوفر حظّاً هو الذي يحوز ثلثي عدد الحاضرين حتى خمس جلسات، أي على عشرين صوتاً في الظرف الحالي من أصل 30، بينهم لحّام. ومن المفترض أن تبدأ اليوم الجلسات الانتخابية، لتعقد كلّ يوم جلستان صباحية ومسائية، في انتظار أن يحوز المرشّح الثلثين. وإذا عجز المرشّحون عن الحصول خلال الجلسات الخمس الأولى على ثلثي الأصوات، فإن من يحوز النصف زائداً واحداً في الجلسة السادسة، أي 16 صوتاً، يتربّع على كرسي البطريركية. وفي حال انسحاب لحّام اليوم من الجلسات مع بدء التصويت، على ما يرجّح أكثر من مصدر، يصبح لزوم الفوز في الدورة السادسة 15 صوتاً (مساء الخميس).

ويؤكّد أكثر من مصدر لـ«الأخبار» أنه «حتى الآن، لا يملك أي من المطارنة ثلثي الأصوات، والمنافسة على أشدّها»، مرجّحةً في «حال الاختلاف الكبير ممارسة الفاتيكان ضغوطاً لاختيار البديل من دون مماطلة». وتستبعد المصادر أن تكون حظوظ المطران إيلي حداد قويّة، أوّلاً بسبب انقسام أصوات الرهبنة المخلصيّة بين حداد ودرويش، وثانياً لكون الفاتيكان «يفضّل أن يكون البطريرك سوريّاً، لما للكنيسة من دورٍ في دمشق، ولما يتعرّض له المسيحيون السوريون وحاجة روما إلى بطريرك خَبِر الواقع السوري وتداعياته على أبناء الرعيّة، واقتناع الفاتيكان بأن البطريرك اللبناني هو بطريرك الموارنة وليس بطريرك الكاثوليك». من جهة ثانية، تدور أحاديث في أروقة الكنيسة، عن لعب الوزير ميشال فرعون دوراً سلبياً في دعم حدّاد وتغذية عصبية «سورية ــ لبنانية»، بهدف «القبض على قرار الطائفة ونقل الثقل الكاثوليكي في لبنان من زحلة إلى الأشرفية، مستغلّاً ضعف الشخصيات الكاثوليكية السياسية اللبنانية بعد غياب الوزير الراحل الياس سكاف». إلّا أن مصادر كنسية أكدت لـ«الأخبار» أنه «لا مكان لمثل هذه العصبيات في الكنيسة الكاثوليكية، والجميع هم أبناء رعية واحدة، لبنانيين أو سوريين أو فلسطينيين…». كذلك يعمل درويش وجانبارت منذ أيام على التواصل مع المطارنة لضمان أصواتهم لكلّ منهما، في تنافس كبير. ولكلّ من درويش وجانبارت نقاط ضعفه وقوّته، ومن بين تلك المتداولة عن درويش، أنه قسّم فريق عمله منذ الآن، إذا فاز بالكرسي البطريركي، لتكون قوّة شخصيته وحضوره عاملاً إيجابياً لمصلحته. وكما يتدخّل فرعون لمصلحة حداد، يميل وزير العدل سليم جريصاتي إلى درويش. بينما يملك جانبارت عامل قوّة إضافياً، هو ترؤسه للجلسات، ما يرفع من نسبة تواصله مع المطارنة، بما يسمح للناخبين بتقييم عمله وحسن إدارته للجلسات أو عكسه. إلّا أن جانبارت ومطران حمص عبدو عربش، يسوّقان لنفسيهما على أنهما مرشحان «وسطيان»، فيما يملك المطران عبسي ورقة قوّة، هي حيازة الرهبنة البولسية 9 أصوات ناخبة، ما يسهّل عليه الأمر للحصول على النصف زائداً واحداً، أي 15 صوتاً، في حال تعذُّر الانتخاب حتى الجلسة السادسة.

وبانتظار «الدخان الأبيض»، يبقى أن أكثر من طرف، يتحدّث عن تسوية ما، جرى الاتفاق عليها مسبقاً بين روما والرئيس السوري بشّار الأسد، لاختيار بطريركٍ يستطيع ترجمة رؤية الفاتيكان ولعب دور أساسي لحماية المسيحيين المشرقيين، والحفاظ على علاقة متوازنة مع القوى السياسية في سوريا ولبنان ولمّ شمل الكنيسة.