Site icon IMLebanon

انتخابات على حافة انفجارات

 

مساء الثلاثاء الماضي مع انتهاء عملية الانتخابات النيابية، فاجأ الرئيس ميشال عون اللبنانيين برسالة وجهها إليهم، وقال فيها إنه سيسعى مع رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة الجديدين، لكي يستعيد المجلس دوره الرقابي والتشريعي، مما يشير ضمناً إلى غياب هذا الدور في الأعوام الماضية، خصوصاً بعد التجديد لمجلس النواب 3 مرات وبقائه في السلطة التشريعية منذ عام 2009، مراهناً على أن يكون المجلس مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهم اللبنانيين، ومناقشتها.

عون أعاد الحديث عن الحوار الوطني الذي كان قد أعلن سابقاً أنه سيدعو إليه، بهدف استكمال «اتفاق الطائف» بكل مندرجاته الواردة في «وثيقة الوفاق الوطني» من دون انتقائية أو استنسابية، «وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سلامته وسيادة أراضيه»… كما سيكون من صلب مهام المجلس متابعة أعمال السلطة التنفيذية بحيث يحترم مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها.

لن أتوقف كثيراً أمام الحديث عن الفصل بين السلطات، فهذا كلام نسمعه في لبنان من زمن بعيد، لكن المهم هو الحديث عن العودة لاستكمال «اتفاق الطائف» الذي صحيح أن الوصاية السورية طبقته بما يتناسب مع استدامة هيمنتها على لبنان، والمهم أكثر حديث عون عن وضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن لبنان وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه.

ولكن عن أي استراتيجية دفاعية يمكن الحديث، إذا كان السيد حسن نصر الله قد سبق عون إلى توجيه رسالة إلى اللبنانيين بمناسبة انتهاء الانتخابات، تمسك فيها تكراراً بما يسميها «المعادلة الذهبية»؛ أي ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، وهي المعادلة التي اعترضت كل الحكومات والعهود السابقة، ولا بد من أن الرئيس عون يتذكر كيف تم تعطيل الحكومة اللبنانية لمدة 7 أشهر في الماضي بسبب الخلاف على كلمة واحدة، اقترحها النائب المرحوم نسيب لحود وهي أن تكون «المقاومة في كنف للدولة» وهو ما لم يحدث؛ لا بل حدث العكس حتى كادت هذه «الدولة تصبح في كنف المقاومة»، خصوصاً مع الإعلانات المتكررة في طهران أنها باتت تسيطر على بيروت، ومع تصريحات المسؤولين في «حزب الله» بأن المقاومة هي التي حمت وتحمي لبنان؟!

كيف ومن أين يمكن العبور لوضع الاستراتيجية الدفاعية التي يتحدث عنها رئيس الجمهورية، خصوصاً أنه سبق له شخصياً أن ربط بقاء سلاح «حزب الله» بالصراع الإقليمي وبالصراع العربي – الإسرائيلي، ثم إنه بعدما أنهى خطابه بساعات كانت الصواريخ الإسرائيلية تنهال على منطقة الكسوة في ريف دمشق مرة جديدة، حيث قال «المرصد السوري» إن القصف الإسرائيلي طال مستودعاً للأسلحة تابعاً لمقاتلين من الحرس الثوري الإيراني أو لـ«حزب الله»، مما أسفر عن مقتل 9 مقاتلين لم يعرف إذا ما كانوا من الإيرانيين أم من «حزب الله»؟!

طبعاً هذه ليست عملية القصف أو الإغارة الأولى التي تنفذها إسرائيل على مراكز إيرانية وشحنات صاروخية مرسلة إلى «حزب الله»، لكن ما سيضع العراقيل الكأداء في وجه كلام عون عن الاستراتيجية الدفاعية، أنه بعد ساعات على رسالته إلى اللبنانيين نقلت وكالات الأنباء أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه طلب من السلطات المحلية في هضبة الجولان المحتلة أن تفتح الملاجئ المضادة للصواريخ، وأن تحضّرها بسبب «أنشطة غير مألوفة للقوات الإيرانية في سوريا في الجهة المقابلة من خط التماس»، ومع الإعلان عن نشر الجيش الإسرائيلي منظومات دفاعية وإعلان حال الاستنفار القصوى في مواجهة خطر هجوم، وإلغاء جميع الرحلات المقررة إلى منطقة الجولان، بدا من الواضح تماماً أن كل حديث عن استراتيجية دفاعية جديدة للبنان لن يكون نصيبه أفضل مما كان في السابق.

وما يزيد من تعقيد الوضع أن كل هذه الأمور جاءت في وقت موازٍ لأهم تطور إقليمي وربما دولي؛ وهو قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي وصفه بأنه «كارثي»، وإعادة العمل بالعقوبات الأميركية على طهران، متهماً إياها بالكذب في شأن ملفها النووي، ملوحاً بأن كل بلد يساعد إيران في سعيها إلى الأسلحة النووية يمكن أن تفرض عليه الولايات المتحدة أيضاً عقوبات شديدة، ومؤكداً أن «إيران تستحق حكومة أفضل، ومستقبل إيران ملك لشعبها، وأن الإيرانيين يستحقون نظاماً يحقق أحلامهم ويحترم تاريخهم».

المراقبون الدبلوماسيون في العواصم الأوروبية ذهبوا بعيداً في إعطاء كلمات ترمب مؤشرات إلى نية أميركية مبيتة باستهداف النظام الإيراني عينه، الذي كان يعاني من تدهور سريع في أسعار عملته التومان، التي كان الدولار الواحد يساوي منها 43 ألفاً، وصار في خلال ساعات بعد قرار ترمب يساوي 64 ألف تومان، وهو ما يزيد من مصاعب النظام الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع اتساع حركات الاحتجاج الشعبية المطلبية والمظاهرات المعارضة.

كل هذه التطورات الحاسمة والمهمة وصلت دفعة واحدة، ولم يعد الحديث عن إمكان نشوب حرب في سوريا تنخرط فيها إسرائيل، التي تواصل عمليات القصف للمواقع الإيرانية ومراكز «حزب الله»، من التحليلات؛ بل من الاحتمالات الساخنة، فمنذ 11 أبريل (نيسان) الماضي عندما أسقطت إسرائيل طائرة «درون (من دون طيار)» سورية من صنع روسي فوق منطقة الجولان، توالت الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، وكان أهمها الغارة على قاعدة «تي فور».

وسط هذه الأجواء الساخنة كيف يمكن الحديث عن استراتيجية دفاعية جديدة للبنان؟

إن العودة إلى الموضوع الانتخابي تفرض القول إنه بعد 9 أعوام من التمديد المتتابع للمجلس النيابي ومن الانتقادات، كان المنتظر أن نشهد معركة انتخابية حماسية ونوعية لتجديد عملية التمثيل العام، لكنها للأسف كانت انتخابات هامشية باردة شوّهت الغاية من القانون النسبي، وغيّبت البرامج، وحرّكت المشاعر المذهبية لدى شرائح واسعة، لكن السؤال الأهم بعد انتهائها يبقى: إلى أين من هنا؟

يوم الأحد من الأسبوع المقبل يفترض أن تبدأ الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما سيفتح الأبواب على بازارت وشروط وتعقيدات تتصل بالأحجام؛ بمعنى حصة كل حزب أو كتلة من الحقائب الوزارية، ثم بالأوزان؛ بمعنى أي نوع من الحقائب تقبل بها أو ترفضها، فنحن (من غير شر) في بلد يوزع الحقائب على 4 مستويات: حقائب سيادية كالخارجية والدفاع والداخلية، وخدماتية كالأشغال والصحة والعمل والطاقة والتربية، وعادية كالبيئة والشؤون الاجتماعية، وشرفية كوزراء الدولة لمجرد لقب «صاحب المعالي»!

لكن المعركة حامية الوطيس ستدور حول حقيبة المالية التي يتمسك بها الرئيس نبيه بري، بينما يحاول تيارا «المستقبل» و«التغيير والإصلاح» انتزاعها منه، والمعركة التي ستلي تلك هي نص البيان الوزاري، وما إذا كان سيتضمن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، بما قد يعني أن لبنان قد يبقى مع حكومة تصرف الأعمال لفترة ليست قصيرة.