Site icon IMLebanon

المسيحيون صوّتوا اعتراضياً… و”القوات” استفادت من خلافات “التغييريين”

 

 

الأكيد أنّ نتائج الانتخابات النيابية، خالفت التوقعات في الكثير من الدوائر والمعارك. مفاجآت «بالجملة» لم تكن مُرجّحة، وبعضها مفصليّ نظراً لرمزيته البالغة، تسللت إلى كلّ البيئات المذهبية ولو بنسب متباينة.

 

لهذا، تحتاج المشهدية إلى الكثير من التدقيق، والتواضع، من جانب الجهات المنكفئة في حضورها، في مراجعتها، سواء عند المسيحيين، الشيعة، السنة أو الدروز، رغم تراجع نسبة الاقتراع على نحو معبّر، حيث لفت رئيس «الدولية للمعلومات» جواد عدرا في تغريدة له إلى أنّ «نسبة المشاركة تراجعت من 49.7 % في 2018 إلى 41.1% في 2022 وقد اختلفت نسبة التراجع من دائرة إلى أخرى. أعلى نسبة تراجع كانت في صيدا وبلغت (-16%) تليها المنية (-15%) والضنية ثم طرابلس. أما في بيروت الثانية فقد زادت نسبة الاقتراع (+8%)».

 

والأرجح أنّ الساحة المسيحية هي أكثر من تعرّض لمتغيّرات في توازنها النيابي، بفعل التبدّلات التي حصلت في الوجوه كما في الانتماء السياسي، والتي ستترك تبعاتها على الأيام المقبلة، والاستحقاقات المقبلة، وأهمها الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد أشهر قليلة، خصوصاً اذا أبقت الأرقام النهائية على رئاسة «القوات» لأكبر كتلة مسيحية، وبالتالي سحبهم البساط من تحت قدميّ جبران باسيل الذي كان يراهن على استخدام هذه اللافتة كآخر أوراق ضغط في الاستحقاق. واذ بالأرقام تصيبه بخيبة آمل، جملة وتفصيلاً حتى لو جرى الباس هذه الخيبة لباس «المؤامرة الكونية».

 

ويمكن في هذا السياق تسجيل الملاحظات الآتية:

 

– إنّ التقدّم الذي حققته «القوات» ورفع حاصل عدد نواب كتلتها، حصل على حساب «التيار الوطني الحر» بشكل خاص، وتحديداً في المتن (المقعد الكاثوليكي)، الكورة (المقعد الأرثوذكسي)، بيروت الأولى (مقعد الأقليات)، بعبدا (المقعد الماروني) وفي جزين (المقعد الماروني)…

 

– شهد التيار «الوطني الحرّ» تراجعاً في حضوره النيابي والشعبي. ولا يكفي أن تشكو قيادته من حرب كبيرة خيضت ضدّه، عبر المال والسفارات والترهيب والترغيب، لتبرير الخسائر التي منيت بها في أكثر من دائرة، ولا بدّ من اجراء مراجعة نقدية لسلوك «التيار» وأدائه طوال السنوات الماضية وتحديداً مذ صار مؤسسه رئيساً للجمهورية، خصوصاً وأنّ هذه الانتكاسات تعكس حالة التصويت العقابي التي تسلّح بها ناخبون مسيحيون تجاه المرشحين العونيين. وهذا ما يؤكد فشل «التيار» في اقناع الرأي العام بخطابه الدفاعي وبكونه موضع مؤامرة وتطويق خارجي.

 

والأرجح أنّ دائرة عكار وحدها تمكّنت من تعويض «بعض الفرق» بعد فوز مرشحَين عونيَّين (أسعد درغام وجيمي جبور) فيما الأصوات التفضيلية التي حققها مرشحو «التيار» في دوائر أخرى كالشوف – عاليه أو في المتن، تثبت بالورقة والقلم، عدم قدرة هؤلاء على استقطاب الناخبين، حتى العونيين منهم… باستثناء طبعاً ادي معلوف الذي حقق رقماً عالياً لكون قيادة «التيار» خاضت معركة «حياة أو موت» بوجه ملحم رياشي، إلى أن انقلب السحر على الساحر فحلّ الرياشي أوّل في المتن في عدد الأصوات التفضيلية.

 

– بيّنت اتجاهات التصويت في دوائر الصراعات القاسية أنّ خطاب «القوات» في ما خصّ سلاح «حزب الله» لا يزال يفعل فعله في الوجدان المسيحي، على الرغم من الاستطلاعات التي أجريت في الأسابيع الأخيرة والتي كانت تغلّب الخطاب المعيشي، ربطاً باهتمامات الناخبين، وقد صبّ «السجال التجييشي» بين «حزب الله» و»القوات» خلال الأيام الأخيرة، الزيت على النار، من باب شدّ العصب، بشكل رفع منسوب حضور «القوات» لدى الناخبين المعترضين، خصوصاً في الدوائر التي شهدت فيها قوى «الثورة» أو «التغيير» فوضى في تركيباتها، على نحو أثار امتعاض الناخبين ما تسبّب بابتعادهم عن هذه اللوائح.

 

– نجحت قوى التغيير في استقطاب الرأي العام، على شكل موجة تأييد غير مسبوقة، في الدوائر التي خلت من الاتهامات والخلافات بين مكوناتها، ولعل دائرة الشوف – عاليه أكثر النماذج دلالة على هذا الواقع، فيما تحوّلت الأصوات الاعتراضية صوب لوائح «القوات» في الدوائر التي وقعت فيها الخلافات بين المعارضة، منها مثلاً دائرة بيروت الأولى ودائرة بعبدا.

 

– كذلك، بيّن التصويت العقابي تجاه بعض حلفاء الثنائي الشيعي، من المسيحيين، كابراهيم عازار في جزين، أو ايلي الفرزلي في البقاع الغربي، أو حتى نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي (لم ينجح أيّ من مرشحيه) أنّ ثمة رسالة قوية ترتبط بسلوك الثنائي الشيعي على المستوى الداخلي، لا يمكن تجاهلها.