IMLebanon

الإنتخابات تحفز الاقتصاد … ولكن!   

مع إتمام العملية الإنتخابية، سجّل لبنان نقطة إيجابية لصالحه ولصالح الإقتصاد اللبناني الذي سيستفيد حكمًا على صعيد الإستهلاك والإستثمار. والأهم أن الليرة اللبنانية سجّلت تحسّنًا ملحوظًا نتيجة إجراء الإنتخابات النيابية. ويبقى أن على المجلس الجديد القيام بعدد من الإجراءات الإقتصادية الإنقاذية لتعظيم المفاعيل الإيجابية للإنتخابات.

تنصّ النظرية الإقتصادية على أن الثقة هي العامل الأساس المُحرك للإقتصاد. وتعتمد هذه الثقة على ستة عوامل تلعب دورًا إيجابيًا أو سلبيًا في تدعيم هذه الثقة: الثبات السياسي، الثبات الأمني، تداول السلطة (الإنتخابات والتعيينات)، وجود خطّة إقتصادية، وجود قوانين تواكب التطوّر العصري، ومحاربة الفساد. فكلّما زاد أحد هذه العوامل زادت الثقة معه وبالتالي إرتفعت ثقة اللاعبين الإقتصاديين الأساسيين في الإقتصاد أي المُستثمر والمُستهلك. من هذا المُنطلق نرى أن إتمام عملية الإنتخاب هي بحدّ ذاتها عامل إيجابي على ثقة المُستثمر والمُستهلك. وبالتالي من المُتوقّع أن تزيد نسبة الإستثمارات والإستهلاك في الفترة المُقبلة.

والمُلفت أن المفاعيل الفورية ظهرت على الليرة اللبنانية التي زاد الطلب عليها بمجرّد إنجاز هذا الإستحقاق وهو ما يدفع بإتجاه الخطّ الذي عمل عليه رياض سلامة منذ تسعينيات القرن الماضي أي جعل الليرة ملاذا آمنا يُعتمد عليها في الماكينة الإقتصادية.

إلا أن مُشكلة تشكيل الحكومة تبقى عائقا أساسيا أمام ترجمة هذا الإنجاز. فإذا كانت إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة هي شبه أكيدة، إلا أن قدرة الحريري على تشكيل الحكومة في ظل خلافات واضحة على الحصص ستؤخّر عملية التشكيل وبالتالي ستمتصّ المفاعيل الإيجابية للعملية الإنتخابية.

من هذا المُنطلق، يظهر إلى العلن الحاجة إلى العقلانية في الفترة المُمتدّة بين الإستشارات النيابية وتشكيل الحكومة والتي يجب أن لا تتخطّى الشهرين لكي يتمّ تعظيم المفاعيل الإيجابية لإتمام العملية الإنتخابية.

على صعيد أخر برزت إلى العلن مُشكلة تمثّلت بإنسحاب الولايات المُتحدة الأميركية من الإتفاق النووي الإيراني. هذا الإنسحاب سيكون له مفاعيل سلبية على المنطقة ككلّ نظرًا إلى الإنخراط المُتوقّع للعديد من الدول الإقليمية في حال ساءت الأمور. وهنا لن يكون لبنان بمعزل عن التداعيات السلبية التي بدأت مفاعيلها بإنخفاض سعر السوق لسندات الخزينة اللبنانية كما هو الحال بالنسبة لكل الدول الإقليمية. لكن المخاوف الأكبر تبقى من جهة هروب رؤوس الأموال من المنطقة نتيجة إحتمال وقوع مواجهة عسكرية بين المحور الإيراني والمحور المعادي له وهذا الأمر سيكون له تداعيات سلبية على سعر سوق النفط مما قد يضرب نمو الإقتصاد الأميركي في حال وصل سعر برميل النفط إلى عتبة المئة دولار أميركي. هذا السيناريو يجعل من إحتمال مواجهة عسكرية بين المحورين ضعيفة ولكن لا يمنع ضربات محدودة كما هو الحال بين سوريا وإسرائيل.

وهذا الواقع الأسود قد يستفيد منه لبنان من ناحية أننا قد نشهد إرتفاعا في توافد رؤوس الأموال بالعملة الصعبة إلى لبنان مما قد يدعم الليرة اللبنانية بشكل كبير. وعلى هذا الصعيد كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أشار في مقابلة مع بلومبرغ إلى أن نمو الودائع المصرفية في الفصل الأول من هذا العام إرتفع بنسبة 1.5% (أي 6% سنويًا) وهذا الأمر يسمح بتمويل القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء.

من هذا المُنطلق، نرى أن هناك إمكانية أمام السلطة السياسية لتحقيق نمو ملحوظ قد يفوق الـ3% هذا العام في حال قامت السلطة اللبنانية بالخطوات الإنقاذية التالية:

أولًا – تشكيل الحكومة اللبنانية في أسرع وقت مُمكن بهدف تطبيق الإصلاحات التي إلتزمت بها في مؤتمر «سيدر 1» وعلى رأسها محاربة الفساد، ولكن أيضًا خفض العجز وتحسين الجباية الضريبية.

ثانيًا – أن تعمد الحكومة إلى البدء بتنفيذ المشاريع المنصوص عليها في إطار «سيدر 1» وذلك بهدف تدعيم الإقتصاد اللبناني ومحاربة البطالة من خلال هذه المشاريع.

ثالثًا –  بدء مجلس النواب عملية إصلاحية شاملة من خلال وضع قوانين تطال الإصلاح الإداري والضريبي وصولًا إلى دراسة وإقرار موازنة العام 2019 كما يجب أن تكون وفي ظل المهل الدستورية المنصوص عليها في الدستور اللبناني.

رابعًا – وضع خطّة للجم الدين العام مع تحديد سقف للإستدانة للحكومة اللبنانية وذلك بهدف السيطرة على نمو خدمة الدين العام من خلال السيطرة على العجز في الموازنة.

خامسًا – العمل على تنشيط وجذب الإستثمارات المحلّية والأجنبية من خلال التحفيز الضريبي ولكن أيضًا التسهيلات الإدارية والقانونية للمُستثمرين شبيهة بتلك التي وردت في موازنة العام 2018 (إعفاء الشركة التي تخلق وظائف جديدة للعمال اللبنانيين من أعباء الضمان على هؤلاء خلال سنتين…).

سادسًا – وضع خطّة تتمحور حول تقوية قطاعين أساسيين هما الصناعة والتكنولوجيا وذلك بهدف خلق وظائف جديدة والتخفيف من عجز الميزان التجاري الذي يُعتبر أحد أكبر مشاكل الإقتصاد اللبنانية والمالية والعامة.

في الختام لا يسعنا الا القول أنه على الرغم من التعقيدات الإقليمية التي تُحيط بلبنان، شكّلت الإنتخابات النيابية نقطة إيجابية في تاريخ الديموقراطية في لبنان (بغض النظر عن المخالفات التي قد تكون قد حصلت) يجب تعظيم مفاعيلها الإيجابية من خلال تشكيل الحكومة في أسرع وقت والإنكباب على تنفيذ الإصلاحات وكل البنود الواردة أعلاه.

خبير اقتصادي واستراتيجي