ما تظهره أرقام الإنفاق في موازنة عام 2018 يدل على أن رغبة قوى السلطة في التجذّر فيها أقوى من أي أمر آخر، ولو أدى إلى انهيار الهيكل فوق رؤوس الجميع
في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، ازدادت النفقات المالية المسجّلة عبر الخزينة في وزارة المال بقيمة 1802مليار ليرة، فيما زاد العجز بقيمة 1611 مليار ليرة. ثمّة من يلقي باللائمة على سلسلة الرتب والرواتب، فيما الوقائع والأرقام تشير إلى أن سبب الزيادة الكبيرة في الإنفاق يعود بشكل أساسي إلى تحويل مبالغ مالية كبيرة من الخزينة لتمويل عمليات مرتبطة بالانتخابات النيابية مثل البلديات التي شكّلت حصّتها 26% من الزيادة في الإنفاق، والمشاريع الإنشائية بنسبة 11.8%، والمستشفيات 4.3%.
أصدرت وزارة المال تقرير المالية العامة الذي يظهر عمليات الموازنة والخزينة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2018. هذه العمليات تظهر الفرق بين الإيرادات والنفقات المقدرة في قانون موازنة 2018، مقارنة مع تلك المقدرة في قانون موازنة السنة السابقة. أما عمليات الخزينة، فهي تظهر العمليات المالية المنفذة في أول أربعة أشهر من عام 2018 وفي أول أربعة أشهر من عام 2017، أي المقبوضات والمدفوعات الفعلية. وفق هذا الترتيب، تصبح أرقام الخزينة هي المصدر الأكثر دقّة للوقوف على حقيقة النفقات والإيرادات.
بحسب عمليات الخزينة، فإن مجمل المقبوضات من أول 2018 لغاية نيسان بلغت 5746 مليار ليرة، أي بزيادة قيمتها 186 مليار ليرة، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية. ويأتي هذا الأمر، رغم أن مجلس النواب أقرّ سلّة واسعة من الضرائب. وكان لافتاً أن تنخفض ضريبة الدخل على أرباح الشركات بنسبة 2%، رغم أن الضريبة ارتفعت من 15% إلى 17%. هذا يعني أن الشركات لم تعد تصرّح بشكل صحيح أو أن أرباحها بدأت تتراجع. والمفارقة أن ضريبة الدخل على الرواتب والأجور ارتفعت بنسبة 14.6%، وهذا يعود إلى كون رواتب موظفي القطاع العام ارتفعت، فازدادت الضرائب المتوجبة على أجورهم.
ويأتي هذا التراجع في الإيرادات، رغم ازدياد ضرائب الفوائد المصرفية بنسبة 64%، ورغم ازدياد الحاصلات من ضريبة القيمة المضافة بنسبة 8.6%، وارتفاع الحاصلات من الرسوم على السلع من مشروبات روحية واسمنت وتبغ وغيرها.
في المقابل، سجل انخفاض في الضرائب المحصلة من الأملاك المبنية ومن رسوم الانتقال. كذلك تراجعت الرسوم العقارية بنسبة 22.3% لتبلغ 242 مليار ليرة. وكان لافتاً انخفاض رسوم مطار بيروت بنسبة 40.6%، برغم زيادة عدد الركاب.
أما على صعيد المدفوعات، فالأرقام تظهر حقيقة وجود إنفاق انتخابي على حساب المال العام. فقد بلغت قيمة المدفوعات في نيسان 2018 نحو 8630 مليار ليرة، أي بزيادة قيمتها 1802 مليار ليرة، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية. تفاصيل النفقات تظهر أنه جرى في مطلع هذه السنة تحويل مبلغ 556 مليار ليرة إلى البلديات، مقارنة مع مبلغ 86 مليار ليرة في 2017، أي بزيادة قيمتها 470 مليار ليرة. تبلغ حصّة البلديات من مجمل الزيادة في الإنفاق 26% وهي النسبة الأكبر. وزادت التحويلات إلى مؤسسات كهرباء لبنان بقيمة 241 مليار ليرة بسبب ارتفاع أسعار الفيول أويل لتبلغ 787 مليار ليرة. وهذه الزيادة تمثّل 13.3% من مجمل الزيادة في النفقات. أما الفوائد على الديون، فقد ازدادت بقيمة 119 مليار ليرة، أي ما يمثّل 6.6% من الزيادة. وازداد الإنفاق على المشاريع الإنشائية الجديدة بقيمة 213 مليار ليرة، أي ما يمثّل 11.8% من مجمل الزيادة في النفقات. كذلك جرى تحويل مبلغ 238 مليار ليرة للمستشفيات، أي بزيادة قيمتها 78 مليار ليرة وهي تشكّل 4.3% من الزيادة في النفقات.
ارتفاع النفقات في الأشهر الأربعة التي سبقت انتخابات أيار يثير الشكوك
عند هذا الحدّ، تبدو مصادر النفقات الإضافية في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية واضحةً، كما الأهداف الكامنة وراءها، لكن ما ليس واضحاً بعد هو الأثر الناتج من سلسلة الرتب والرواتب. فالزيادة في أكلاف الرواتب والأجور وتوابعها والتقاعد ونهاية الخدمة لا تعكس كلياً أثر سلسلة الرتب والرواتب نظراً إلى وجود تطور طبيعي وتلقائي للرواتب من دون السلسلة ويكون أكبر معها. على أي حال، إن الزيادة في الرواتب والأجور والتعويضات الاجتماعية في القطاع العام بلغت 227 مليار ليرة، أي ما يمثّل 12.6% من مجمل الزيادة، وارتفعت النفقات المتعلقة بالتقاعد ونهاية الخدمة بما قيمته 236 مليار ليرة.
على أي حال، إن عجز الموازنة ارتفع في نهاية نيسان 2018 إلى 1611 مليار ليرة ليبلغ 2884 مليار ليرة، ووقعت الخزينة بسبب الزيادة في النفقات في عجز أولي بقيمة 550 مليار ليرة، مقارنة مع فائض أولي بقيمة 942 مليار ليرة في نهاية نيسان 2017. الفرق بين العجز والفائض يبلغ 1500 مليار ليرة. هذا الرقم كان يمثّل تقديرات البنك الدولي للزيادة في النفقات في مجمل عام 2018، إلا أن ما حصل هو أن الإيرادات الإجمالية استقرّت، فيما ارتفعت النفقات ليصبح المشهد أكثر خطورة من قبل. الحكومة لم تتمكن من السيطرة على العجز، بل عملت على استعمال المال العام من أجل تمويل جزء من حملاتها الانتخابية. ارتفاع النفقات في الأشهر الأربعة التي سبقت إجراء الانتخابات النيابية في أيار يثير هذه الشكوك ويدفع نحو الارتياب المشروع بقوى السلطة التي تفوقت على نفسها وأعادت نفسها إلى مقاعد السلطة.