سواءٌ تمّت الإنتخاباتُ النيابية في موعدها على أساس قانون الستين أو تأجّلت تقنياً لإنتاج قانون جديد أكثري أو نسبي أو مختلط، فإنّ الحسابات الإنتخابية المسيحيّة الشمالية تدخل كعاملٍ مؤثّر في الإستحقاقات الوطنية المقبلة.
يُسلّم الجميع أنّ الخلاف بين رئيس تيار «المردة» أحد أهم زعماء زغرتا النائب سليمان فرنجية و«التيار الوطني الحرّ» سببه الأساس منافسة فرنجية العماد ميشال عون على الرئاسة بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري السابقة، ما أشعل الصراع مع «التيار»، لكنّ هناك قطبةً لم تظهر الى العلن، أو حجَبَها الدخانُ الرئاسي وتأليفُ الحكومة وهي موقع رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل على الساحة المسيحية الشمالية والتنافس مع فرنجية على الزعامة.
تشهد أقضية الشمال المسيحية الأربعة أي البترون، الكورة، بشرّي وزغرتا خلطَ أوراق غير مسبوق، إذ باستثناء قضاء بشرّي الذي تستطيع «القوّات» حسم الموقف فيه لوحدها نتيجة التأييد الكبير من الأهالي والإلتفاف الشعبي حول «القوات» نتيجة الهجوم الأخير عليها، إلاّ أنّ الأقضية الثلاثة الأخرى ستشهد منازلاتٍ قاسية.
البدايةُ من زغرتا، فقد كان لافتاً للإنتباه إستقبال باسيل لرئيس حركة «الإستقلال» ميشال معوّض بعد إنتخاب عون، في وقت أعلن معوّض دعمه للعهد، هذا الدعم ليس غريباً على معوّض الذي ينتمي الى عائلة كانت موالية للنهج الشهابي، فوالده الرئيس الشهيد رنيه معوّض كان شهابياً، وقد وسّع نفوذَه بفضل الدعم الذي أمّنه النهج له من أجل الوقوف في وجه النائب الأب سمعان الدويهي الذي كان شمعونياً، وبالتالي، فإنّ مساندة العهد و«القوات» لمعوّض، الذي يشكل الزعامة الزغرتاوية المنافِسة لفرنجية، قد تقلب المعادلات المحلّية.
وتبدو الصورة الزغرتاوية على الشكل الآتي: فرنجية، متحالِفاً مع آل كرم وقسم من آل الدويهي، فيما معوّض يتحالف مع غالبية
آل الدويهي ذات الميول اليمينية، إضافة الى «القوات» و«التيار الوطني الحرّ»، وبذلك يبقى السؤال عما إذا كان يوسف الدويهي والنائب السابق جواد بولس سيعودان ويشكّلان مع معوّض لائحة مثل انتخابات 2009، أو أنّ لائحة معوّض ستضمّ أحد المرشحين من قرى القضاء التي تناصره وتناصر «القوات».
وبالنسبة الى الصوت السنّي، يبقى السؤال كيف سيتوزّع، فمن جهة هناك إلتزامٌ محلّي مع معوّض وفرنجية، ومن جهة أخرى انتظار لكيفية ترجمة كلام الحريري بأنه سيتحالف انتخابياً مع فرنجية، علماً أنّ الأخير يملك تاريخاً كبيراً من الخدمات. في حين يقول البعض إنه إذا كان فرنجية سينال حقيبة خدماتية من الدرجة الأولى، فإنّ كلّ حقائب العهد مفتوحة لحساب معوّض.
بالإنتقال الى الكورة، فإنّ الصورة لا تكتمل إلّا بعد معرفة الموقف النهائي لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي يؤكّد أنّ علاقته مع الدكتور سمير جعجع عادت الى سابق عهدها ولا خلافات حالياً، في حين يشدّد نائب «القوات» فادي كرم على متانة التحالف مع مكاري، وبالتالي تتّجه الأنظار الى أصوات الحزب «السوري القومي الإجتماعي» وتحالفاته بعد إعلان التحالف بين «القوات» و«التيار الوطني الحرّ»، وموقع النائب نقولا غصن في التركيبة الجديدة، إضافة الى تيار «المردة» ومعرفة مصير أصوات السنّة وأين ستصب.
أمّا في البترون، فقد دخل معطى جديد عنوانه إعلان النائب أنطوان زهرا ترشّحه مجدّداً الى الإنتخابات، وتحالفه مع باسيل حكماً، وهذا الأمر أعاد خلطَ الحسابات بعد إعلان نائب الكتائب سامر سعادة عزمَه على الترشح في البترون وليس في طرابلس. من هنا فإنّ هذا المعطى القواتي- العوني قد أراح مبدئياً وزيرَ الإتصالات بطرس حرب، حيث خلت ساحةُ الجرد من تنورين مروراً ببلدات الوسط من مرشّحٍ للتحالف.
والمعروف في المنطقة أنّ التصويت هو على أساس سياسي وأيضاً مناطقي، فأيّ لائحة لا يمكنها أن تنافس من دون وجود مرشّح من تنورين، تلك البلدة التي تُعدّ نحو 14 ألف ناخب وتشكّل عائلة حرب أكثر من نصف القوّة الناخبة.
وكما في بشري حيث لا يمكن لأيّ طرف أن لا يرشّح أحداً من آل طوق، وفي زغرتا حيث لا يمكن تأليف لائحة منافِسة من دون عائلات فرنجية أو كرم أو الدويهي أو معوّض، فإنّ إبعاد أيّ مرشح لآل حرب من التحالف المسيحي، وإخلاء ساحة الجرد للوزير بطرس حرب سيريحه ويجعله يخوض معركة يتفوّق فيها بشكل كبير جرداً ممّا يشكّل أزمة حقيقية للائحة تحالف «القوات- التيار» التي ستحاول التعويض في الوسط والساحل، خصوصاً أنّ «المردة» سيخوض المعركة بشراسة ضدّ باسيل و«القوات».
أمام هذا الواقع يبقى التنافسُ سمةَ المرحلة المقبلة، فيما الحسابات المناطقية تشكّل أساسَ خوض الإنتخابات الرابحة أو التجديد للزعامات المحلّية.