في 11 تشرين الأول 2012، شُكلت «لجنة التواصل الانتخابي»، وأُعطيت مهلة ثلاثة أسابيع لإنجاز التوافق على قانون الانتخاب. لكن الأسابيع صارت سنوات. صارت تحديداً أربع سنوات وأربعة أشهر، شُكّلت خلالها أربع لجان، وانتهى عملها إلى اللاتوافق.
عندما شُكلت اللجنة الأولى، لم يكن التمديد الأول قد أنجز. ولم يكن اللبنانيون قد اقتنعوا أن الطبقة السياسية يمكن ان تصل إلى درك تأجيل الانتخابات. تبين لاحقاً أن القعر له قعر آخر، والتمديد صار تمديدين، والخجل صار عملة نادرة لا قيمة لها في مصارف السلطة المتهالكة.
طال الثبات في المرة الأخيرة، قبل أن يقرر الرئيس نبيه بري الاستعانة باللجنة مجدداً لإنقاذ جلسة تشريع الضرورة، التي عقدت في 12 تشرين الثاني الماضي. وهي المرة الثالثة، التي تستعمل فيها اللجنة لسد حاجة سياسية، بعدما استعملت سابقاً لتمرير التمديد وتطيير القانون الانتخابي عن الجلسة التشريعية.
وهذه المرة، أهديت اللجنة إلى «التيار الوطني الحر» و«القوات»، اللذين أصرا على جعل قانون الانتخاب بنداً على جدول أعمال اللجنة التشريعية، فاقتنعا بالنصر الشكلي، وهما يدركان أن أفق اللجنة مسدود.
وبالفعل، عقدت الجلسة التشريعية، بمعية الرئيس سعد الحريري، الذي أصدر بياناً أشار فيه إلى أن «المستقبل» لن يحضر أي جلسة أخرى لا تتضمن قانون الانتخاب. وأعلن بري خلالها تشكيل لجنة مصغرة تناقش قانون الانتخاب خلال شهرين بشكل مكثف. كما تم الاتفاق على أنه إذا لم تصل اللجنة إلى نتيجة، فعلى رئيس المجلس تحويله إلى اللجان المشتركة من حيث انتهى النقاش في اللجنة والتصويت عليه.
بعد أسبوع من الجلسة، اجتمعت هيئة مكتب المجلس، وشكلت اللجنة. وكمن يكذب الكذبة ويصدقها، صدّقت الكتل النيابية أن اللجنة ستتفق على قانون الانتخاب، وسعت للدخول إلى جنتها، اعتقاداً منها أن المشاركة في اجتماعاتها تحميها من اتفاق على حسابها. فكانت النتيجة أن اللجنة المصغرة صارت موسعة، وضمت 10 نواب، أغلبيتهم من أعضاء اللجنة السابقين، الذين حفظوا كل القوانين المطروحة عن ظهر قلب، وصارت الاجتماعات بالنسبة لهم مجرد تمارين ذهنية يعرفون أن موعد صرفها لم يحن بعد.
عقدت اللجنة اجتماعها الأول في بداية كانون الأول الماضي. منسق اللجنة كان هذه المرة النائب جورج عدوان، وهو عملياً الرئيس الثالث للجنة التواصل بعد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، الذي ترأس اللجنة الأولى، والنائب روبير غانم، الذي ترأس اللجنة لفترة طويلة. ولإضفاء الجدية على مداولات اللجنة، توافق أعضاؤها على الحفاظ على السرية، بما اعتبر هروباً من الإحراج من الإعلان في كل مرة «أننا لم نفعل شيئاً».
بعد شهرين من العمل السري لم يتغير شيء. قالها أكثرية الأعضاء: القرار ليس في اللجنة، وقانون الانتخاب لن يكون سوى جزء من التسوية التي يحكى عنها، علماً أن دمج قانون الانتخاب بالتسوية ليس جديداً. هي الاسطوانة نفسها تتكرر منذ العام 2012، وإن أضيف لها في العام 2014 بند جديد عنوانه رئاسة الجمهورية.
التسوية لم تأت بعد، ولا أحد يعرف متى تأتي. لكن النواب، بوصفهم «فدائيين»، لم ييأسوا. تحرروا من الفشل المتوقع، وأكملوا طريقهم برغم ثقتهم أنها بلا نهاية. أما الشهران، اللذان انتهيا أمس، فيضافان إلى ما سبقهما من مهل وتواريخ عنوانها الفشل. لكن ماذا كنتم تفعلون: يقول عضو في اللجنة إنه في ظل استحالة الوصول إلى اتفاق، تركزت المحاولات على السعي إلى احتواء الفروقات وتصغيرها. ويقول عضو آخر إن الأمر اقتصر على جس النبض. وهي إجابة على قسوتها بعد أربع سنوات من الاجتماعات، إلا أنها بدت معبرة فعلاً عما دار في اللجنة، التي تسمّر كل من فيها خلف موقف لا يتزحزح عنه قيد أنملة، لأن ذلك سيكون تنازلاً في غير موقعه ووقته.
هذا لا يعني أن النقاش لم يكن جدياً، لكنه كان بلا أفق، بعدما راوح الكل مكانه. وإذا كان «المستقبل» قد تمسك بالاقتراح الذي قدمه مع «الاشتراكي» و«القوات» (68 أكثري مقابل 60 نسبي) مقابل ميل «حزب الله» إلى مشروع الرئيس نبيه بري (64 مقابل 64)، فإن العين كانت على «القوات» و«التيار» لمعرفة مدى انعكاس اتفاقهما على مناقشات القانون الانتخابي. وإذ تمسك «التيار» باقتراحه الداعي إلى اعتماد النسبية الكاملة مع 15 دائرة، فقد تردد أن النقاشات بينه وبين «القوات» قطعت شوطاً كبيراً، ويرجح أنها ستصب في خانة تأييد المشروع المختلط مع تعديلات. أحد نواب «التيار» يتخطى مسألة الاتفاق على القانون، ويقول ممازحاً إن النقاش وصل إلى مرحلة الاتفاق على اللوائح. أما «الكتائب»، فما يزال يفضل النظام الأكثري مع تصغير الدوائر، علماً أن نائباً حليفاً، اعتبر أن همه يتركز على فصل المتن إلى دائرتين ونقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون.
عملياً انتهى عمل اللجنة بإعلان النائب جورج عدوان أنها «ستنصرف إلى وضع التقرير الذي سترفعه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري لعرضه على هيئة مكتب المجلس». وعليه، فإنه بعد أن يعد عدوان التقرير سيصار إلى عقد جلسة لإقراره. كما ستعقد اللجنة جلسة أخرى، تخصص للاجتماع مع النائب طلال ارسلان الذي طلب لقاء أعضاء اللجنة، حيث تردد أنه يريد أن ينقل لهم موقفه الداعي إلى النسبية الكاملة، مع الإصرار على عدم فصل دائرة بعبدا عن الشوف وعاليه.
وقال عدوان، في مؤتمره الصحافي أمس، إنه «بعد تقديم التقرير، تكون اللجنة قد أدت مهمتها ويصبح القرار عند الهيئة العامة لاتخاذ المناسب بما يتعلق بقانون الانتخابات الجديد، داعياً إلى إقراره في أسرع وقت، كون الدورة العادية ستبدأ بعد 15 آذار المقبل، وهي الدورة التي ستسبق الاعداد للانتخابات التي ستحصل العام 2017».