Site icon IMLebanon

«قانون انتخابي لا يأتي بنفس السياسيين».. وهم الأوهام

من نماذج الشطط في هذه الأيّام افتعال الشكوى، وتكرارها، حيال أي قانون انتخابي «يعيد انتاج النظام الحالي»، أو «الطبقة السياسية الحالية».. كما لو أنّ ثمّة قانوناً انتخابياً بإمكانه، في الأشهر القليلة التي تفصلنا عن الاستحقاق المؤجل حتى الآن مرّتين، أنْ ينقل لبنان من حال إلى حال، ويأتي بطواقم جديدة تماماً من المشرّعين والسياسيين، جديدة، وذات مراس وخبرة في وقت واحد، اذا ما استرسلنا في تتبع مفارقات هذا الشطط!

فإذا أضيف الى كل هذا أنّ من يشتكي من «اعادة انتاج الطبقة السياسية» أو النظام الحالي، هم من أركان هذه الطبقة، أو هذا النظام، أو من التابعين لركن فيه، ظهر العجب أكثر وأكثر.

ولا يلغي ذلك أن الحركات التي تقدّم نفسها كمجتمع مدني تحكي نفس اللغة هي الأخرى، منمية الوهم بأن ثمة قانوناً انتخابياً «يعيد انتاج النظام الحالي»، وثمة قانوناً انتخابياً «ينتج» في المقابل حياة سياسية جديدة.

هناك حدود لما يمكن للقانون الانتخابي، مطلق قانون انتخابي، بما فيه أفضل ما يمكن التوصل اليه، انجازه.

وبالتوازي، فلتحسين شروط التوصل لقانون انتخابي جديد، يفترض ازاحة هذا الوهم قبل كل شيء آخر، وهم البحث عن قانون انتخابي «لا يعيد انتاج نفس السياسيين».

ليس هناك في العلم السياسي كله، «طبقة سياسية» تزول بقانون انتخابي، او حتى تتضعضع بفعل قانون انتخابي. هذا ان كان تعبير «الطبقة السياسية» له حيثية متماسكة تسنده، وفي ذلك كبير شك. وهذا، على الرغم من ان قانوناً كهذا يفترض ان تقره هذه «الطبقة السياسية»، وهي تبحث عنه الآن عشية الاستحقاق.

والقانون الانتخابي منذ نهاية الحرب يقرّ في كل مرة عشية الاستحقاق، وقد ادى عدم اقراره في المرة السابقة الى تأجيل الاستحقاق الى الآن. هذا يزيد من حدود ما يمكن أن يؤمّنه أي قانون انتخابي. ان تكون كل انتخابات بقانون يختلف عن قانون الانتخابات السابقة فهذا يفترض به ان يدفع بنا الى الكثير من التواضع للبحث عن مخرج يحوز تقاطعات ايجابية حوله.

في المقابل، وكما ان من الوهم التفتيش عن قانون انتخاب «لا يعيد انتاج هؤلاء السياسيين»، على ما هو رائج، ببغائياً ترداده اليوم، فإنّ الأزمات المتولدة عن اهتراء العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، والتي تظهر في جزء اساسي منها في استعصاء اتفاقهم على قانون انتخاب صالح لاقامة كذا دورة انتخابية على أساسه، هي أزمات متتابعة.

لكنها أزمات لا تحل بقانون انتخاب. بل أن عزل مسألة الاتفاق على هذا القانون عن هذه الشعارات الخلاصية والتغييرية الواهية بات حاجة اصلاحية جدية.

اهتراء العقد الاجتماعي لا يصلح بقانون الانتخاب وحده، وعشية الاستحقاق فوق ذلك. لا يصلح بين ليلة وضحاها، لا يصلح بمناقشة القانون الانتخابي كما لو ان البلد لا يعاني من اهتراء العقد الاجتماعي بفعل تاريخ من النزعات التغلبية بين الجماعات الاهلية آل الى المشروع التغلبي الخطير الذي يقوده «حزب الله»، وعدم تمكن الانتظارات المعلقة على انتفاضة الاستقلال الثانية، وما تمخض عنها، من ان تثمر استصلاحاً عميقاً لفكرة العقد الاجتماعي في لبنان، بل اكثر من ذلك.

أي انتخابات ستجري في الاشهر المقبلة، ووفقا لأي قانون تجري فيه، لن تكفل تحقيق نغمة «عدم انتاج نفس الطبقة السياسية». في المقابل، أي انتخابات ستجري من شأنها أن تحمل معها معطيات ديموقراطية معينة، مثلما فعلت معظم الانتخابات النيابية في تاريخ هذا البلد، وربما تكون انتخابات الفين وتسعة الرائدة في هذا المجال: حملت معطيات ديموقراطية مهمة، من حيث انها حققت النصر الانتخابي على معسكر «حزب الله»، مثلما حملت معها الخيبات الأهم، بسبب بعثرة هذا النصر الانتخابي فوراً بعد انجازه.

ما هو القانون الانتخابي الذي يحسن اليوم من نسبة المعطيات الديموقراطية التي يمكن توخيها في الاستحقاق المقبل؟

انه القانون الذي لا يربط نفسه بالوهم.. بوهم «عدم انتاج نفس السياسيين». كما لو انه سيأتي بسياسيين آخرين من كوكب عطارد، او انه سيأتي بلبنانيين آخرين، وبتوزع آخر للجماعات الأهلية والمناطق. الحاجة الى دفع هذا الوهم جانباً، وعدم ترك الذات تأكل نفسها بنفسها بحجته. قانون انتخاب «لا يأتي بنفس السياسيين» هو وهم الأوهام في لبنان، وهذا الوهم كلما استحضر، فلغير مصلحة توسيع المنسوب الديموقراطي من الاستحقاق.