عزل قطر أول الغيث في استراتيجية قمم الرياض لمحاصرة محور «المدن الأربع»
«حزب الله يفضل التمديد حتى ربيع 2018 وباسيل يضغط لإجراء الانتخابات هذا الصيف مستفيداً من زخم العهد»
أقل من أسبوعين هي المهلة الفاصلة عن انتهاء ولاية مجلس النواب الممدة. ورغم الاتصالات المكثفة لحلحة العقد حيال قانون الانتخاب، فلا يمكن الجزم بالوجهة التي سترسو عليها الأمور، ولاسيما أن ما يجري من تطورات في المنطقة مع بروز المعطى الجديد في المنطقة المتمثل بـ«عزل قطر» سيكون له تداعياته وحساباته الإقليمية التي ستنعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على لبنان.
الأكيد أن المنطقة دخلت فصلاً جديداً من المواجهة على وَقْع المتغيرات الأميركية. فالخطوة التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر من قطع العلاقات الدبلوماسية وإقفال المنافذ سواء البرية أو الجوية أو البحرية، ومعها رزمة من الإجراءات غير المسبوقة تدل على أن هذا المحور دخل معركة «كسر عظم» ضمن المواجهة الكبرى، فالخيارات السياسية لا تحتمل اللون الرمادي بين حدَّي الأبيض والأسود.
الاستراتيجية الجديدة في المنطقة التي تبلورت بعض معالمها بعد قمم الرياض تقوم على الحد من نفوذ إيران خارج حدودها وذلك من خلال ضرب أذرعها العسكرية المتغلغلة في دول المنطقة والتي تأخذ من الشيعة العرب رأس حربة في زعزعة استقرار تلك الدول وفي التمدد اليها، وضرب الإرهاب الذي لا يقتصر على التنظيمات السنيّة المتطرفة المصنفة إرهابية (تنظيم الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة») بل تقليم أظافر حركة الإخوان المسلمين- الاسلام السياسي الذي كان باراك أوباما يراهن عليه في موجة «الربيع العربي» بديلاً للانظمة الحاكمة، من تونس إلى مصر وليبيا وحتى سوريا كمرحلة أولى بما تشكل تركيا من رافعة لهذا المشروع المفتوح على إمكانات التمدد لدول الخليج، قبل أن يتم إفشاله إنطلاقاً من مصر بدعم سعودي- إماراتي.
في كلا الهدفين، سواء في الحد من النفوذ الايراني عبر محاصرة أذرع إيران واعتبارها جزءًا من الارهاب الشيعي أو تحجيم «الإخوان المسلمين» عبر تصنيفهم تنظيمات إرهابية ومن ضمنهم «حماس» ، تبدو قطر في قلب المشهد نظراً لتاريخ ارتباطاتها العلنية سواء بإيران أو بالإخوان و«حركة حماس» وحتى «حزب الله» التنظيم الشيعي الذي زار أمير قطر حمد آل ثاني معقل الحزب في الضاحية الجنوبية بعد حرب تموز 2006 والتي أدرجتها السعودية ومصر في خانة المغامرة غير المحسوبة، فيما وصفها الرئيس السوري بشار الأسد بـ«المعركة المجيدة»، وكذلك نظراً إلى استمرار احتضانها الإخوان الذي قيل يوم تسلّم أمير قطر الحالي تميم بن حمد آل ثاني أنه تعهد باحتواء الإخوان شرط عدم تدخلهم في شؤون الدول الخليجية، فيما تبدو الخطوط المفتوحة بين الدوحة وطهران جلية في كل المفاوضات بين التنظيمات الدينية السنيّة والشيعية في سوريا، والتي أسفرت عن «اتفاق المدن الأربع» الذي شهد أول عملية تبادل سكاني فعلياً، وإطلاق سراح المختطفين القطريين على يد «حزب الله- العراق» اثناء وجودهم في رحلة صيد. وكان لافتاً إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه جرت مصادرة كميات من المال في المطار كانت تقلها طائرة قطرية خاصة لصالح الجهات الخاطفة.
وإذا كان من المبكر التكهن بمآل الخطوة الخليجية حيال الدوحة وكيفية تطورها على الرغم من تأكيد الرياض وأبو ظبي أن الهدف تغيير سياسة قطر لا نظامها، فإن من شأن هذه الخطوة أن تنعكس تداعياتها على مجمل التطورات في الإقليم، خصوصاً أن الخطوة لا تأتي من خارج السياق الذي رسمته قمم الرياض أو استظلت على أقله زخم الاتفاقات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي غرّد داعماً.
وانعكاس ما يجري في الإقليم يتناول بشكل كبير المعركة الدائرة بقوة على «المثلث السوري- الاردني- العراقي» في البادية التي باتت تنتشر فيها قواعد أميركية، وتعمل على قطع محاولات إيران من خلال الميليشيات الشيعية في العراق والمليشيات الشيعية في سوريا ونظام الأسد، لتأمين الممر الآمن لها إلى البحر المتوسط عبر جسر تواصل يربط خط طهران- بغداد- دمشق- بيروت. وهي معركة ينخرط فيها «حزب الله» بشكل كبير كونها معركة حياة أو موت للمشروع الاستراتيجي الإيراني.
إزاء التعقيدات في المشهد الإقليمي التي تتفاقم على وَقْع إعادة رسم خرائط المنطقة الجيو- سياسية، لا يبدو واضحاً مسار الرياح التي ستتحكم بلبنان، ففيما ترى أكثر من جهة سياسية رغبة داخلية في إبقاء البلد بعيداً عن النيران المشتعلة، فإن ذلك ليس مرتبطاً في حقيقة الأمر بالقرار اللبناني بقدر ما هو خاضع لقرار إقليمي وتحديداً إيراني أو لقرار أميركي كبير بزعزعة الوضع الداخلي أو إلحاقه بدوامة العنف في المنطقة، على الرغم من أن المناخ السائد إلى الآن ينحو في اتجاه إبعاده عن تلك الانعكاسات، وإنْ كانت بعض المؤشرات الآتية من عرسال عما يدور في جرودها أو الاعلان عن إحباط عملية انتحارية كانت تستهدف الضاحية تشكل مؤشرات مقلقة في هذه اللحظة الدقيقة.
من هنا، يذهب المتابعون لمجريات الاستحقاق الانتخابي إلى الاعتقاد أن «حزب الله» المنخرط في المواجهة الإقليمية، والذي يدرك مدى الاستهداف الموجه له، لا يحتمل في الوقت الراهن أي خضة داخلية قد تطيح بالإستقرار في لبنان، ما قد يضيف على التعقيدات في المنطقة تعقيداً جديداً عليه هو في غنى عنه. وهذا ما يجعل المتابعين على إختلاف مواقعهم السياسية على إقتناع بأن «حزب الله» يُفضِّل التمديد حتى ربيع أو صيف 2018 على إجراء انتخابات الآن قد تُوتّر الأوضاع وتحقن النفوس في ظل التأجيج السياسي والطائفي والمذهبي الذي يتم اللجوء إليه كوسيلة من وسائل التعبئة لكسب الأصوات. هذا لا يعني أن الآخرين لا يتماهون مع اتجاه التمديد في ظل الرهانات على ما قد تخلقه تطورات الأشهر المقبلة من موازين قوى في لعبة تحسين الموقع والإمساك بالأكثرية في البرلمان.
هذا المنحى يتطلب لتحقيقه الاتفاق على قانون الانتخاب بالحد الأدنى، بغية إقراره في المجلس النيابي، مع تمديد المهل من باب الحاجة التقنية كونه سيكون قانوناً على أساس النسبية بـ15 دائرة، كما بات متفقاً عليه وفق المعلن، والذهاب في أسوأ الاحوال الى إقرار «اتفاق إطار» إذا تعذر التوافق على ما تبقى من تفاصيل لجهة عتبة التأهيل والصوت التفضيلي ونواب الاغتراب وضمانات المناصفة التي يطالب بها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أن تكون مكرسة دستورياً بشكل نهائي لا مرحلي، ما يتطلب تعديلاً في الدستور قد لا يلقى موافقة جامعة من مختلف المكونات لما يحمله من مخاطر تفتح الشهية على تعديل «اتفاق الطائف» في أكثر من مسألة بما تتماشى مع الرغبات الجامحة لدى المطالبين بالمؤتمر التأسيسي.
غير أن ثمة من يبدو جازماً أن «التيار الوطني الحر» بشخص رئيسه يضغط في اتجاه إجراء الانتخابات هذا الصيف من أجل الإفادة من زخم العهد في الحصول على كتلة وازنة في البرلمان، الأمر الذي يطرح تساؤلات عما إذا كان ثمة اتفاقاً حقيقياً تمّ الوصول إليه حول النسبية التي تعني حكماً تمديداً للمجلس حتى الربيع المقبل، أم أن هناك مناورات حول الاتفاق قد تدفع في نهاية الأمر إلى «اللااتفاق» على قانون جديد، ما يعني تمديداً للمهل لإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين النافذ!