عندما رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الموافقة على اقتراح وزير الداخلية تعيين الهيئة المشرفة على الانتخابات، ترك ذلك ارتياحا عاما في أوساط الرأي العام. وارتفعت نسبة تفاؤل الناس بالعهد الجديد عندما أكد رئيس الجمهورية جازما انه يرفض أمرين: قانون الستين والتمديد مرة جديدة للمجلس النيابي. وكان هذا الرفض يتناول الناحية السلبية فقط. وعندما انتقل الى الناحية الايجابية اكتفى رئيس الجمهورية بالقول انه يوافق على أي قانون جديد يحظى بالقبول من مختلف الأطياف اللبنانية…
***
بشيء من الصراحة، فان هذا الموقف الرئاسي الجديد أثار نوعا من النقزة الشعبية الضمنية، حتى لدى المتفائلين بوصول العماد عون للرئاسة الأولى. وهؤلاء غالطوا أنفسهم وانطباعهم الأولي، وطمأنوا أنفسهم الى ان الرئيس عون لن يتصرف إلاّ بوحي ما يرضي النبض الشعبي العام المتعطش للاصلاح والتغيير. وما كان يتفاعل في نفوس الناس هو أن الاصلاح الحقيقي والجذري يبدأ من قانون انتخاب يحول اتجاه المجتمع نحو الاصلاح، حتى ولو تطلب ذلك استئصال الورم بعملية جراحية، وليس المحافظة على الشكل الخارجي بالمراهم التجميلية!
***
نبض الناس العام الذي فرح بوصول عون للرئاسة من خارج تياره السياسي، كان يتوقع انه القائد المناسب لاجراء عملية التغيير المأمولة باعلان موقف جازم وصارم يؤكد انه يرفض أي قانون انتخاب يتعارض مع مضمون الدستور ونصوصه. وان يكون هذا الأمر هو معركته الأخيرة ليسجل انتصاره والشعب اللبناني في حرب الاصلاح والتغيير. وأن يكون الدستور هو المعيار الأول والأخير، ليس في قانون الانتخاب وحسب، وانما أيضا في جميع شؤون الوطن الأخرى. وكان الاقتناع العام هو أن الرئيس عون، اذا لم يفعلها في مستهل عهده، فانه لن يتمكن من فعلها في مراحل العهد اللاحقة…
***
من فعلها هو الرئيس نبيه بري الذي ذهب بعيدا منذ البداية ودعا الى تطبيق الدستور وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وانشاء مجلس للشيوخ في الوقت نفسه. وفي ذهابه بعيدا بهذا الطرح سبق الجميع وتركهم خلفه، وعلى درجات متفاوتة، من القرب والبعد. وهو يتمسك بطرحه الدستوري هذا، على الرغم من انه لم يقسم على احترام الدستور، وانما من أقسم عليه هو رئيس الجمهورية!