IMLebanon

تجميع المعارضة هو الأساس

 

دروس إنتخابيّة من تجربتي مع الحزب الشيوعيّ (4من4)

 

في دورة 2009 أعيد العمل بقانون الستين أي على أساس القضاء دائرة انتخابية، قدمت نفسي مرشحاً يسارياً مستقلاً في مواجهة صريحة مع لائحة الشيعية السياسية في النبطية، وفي مواجهة ضمنية مع اليسار الشيوعي. كنت مرشحاً من دون ماكينة انتخابية. ساعدني في الحملة رفاقي في حركة اليسار الديموقراطي، خليل ريحان، علي بدران، أحمد اسماعيل، محمد حلال، عزت شميساني، حسن قانصو، ووضعوا تحت تصرفي مقرهم في النبطية لاستخدامه خلال شهر قبل الانتخابات.

 

تيار الانتماء اللبناني نظم لي مهرجاناً انتخابياً في النبطية بتاريخ 28-5-2009 ودفع تكاليف النقل وبدل إيجار المكان. قدمني في المهرجان عماد قميحة وألقيت كلمة سياسية أكدت فيها على أنني مرشح يساري تدعم حركة اليسار الديموقراطي ترشيحي من ضمن علاقة تعاون انتخابي مع تيار الانتماء اللبناني، وخاطبت الجمهور الذي حضر في المهرجان بكلمة تشدد على هاتين الفكرتين، دعم من اليسار وتعاون مع الانتماء اللبناني.

 

الثنائية الشيعية لم تعترض حملتي الانتخابية، لكنها مارست ضغطاً معنوياً على الناخبين، وأقنعتهم بأن من يترشح ضد لائحتها إنما يعبر عن موقف سلبي من المقاومة والتحرير. لذلك تهيّب الناخبون، حتى الأصدقاء منهم، من الجهر بموقف مؤيّد لي. غير أن الرفاق في الحزب والزملاء في المجلس الثقافي واجهوا ترشيحي بجفاء بعد أن تبلغوا الموقف من القيادة. لذلك حرصت على أن أذكر الوقائع بالأسماء والأرقام لكي يكون نقدي للتجربة موثقاً بالأدلة والبراهين والقرائن، ولكي أحفز الآخرين على نقد مماثل.

 

قررت مواجهة استبداد الشيعية السياسية وقرّر الرفاق مواجهتي، قلت في كلمتي في المهرجان، إننا في هذه المعركة الانتخابية نواجه معاً حالة الاستبداد الرابضة على صدر الجنوب ونواجه المذهبية المستشرية والطائفية البغيضة

 

ونواجه قانون الانتخاب الذي يزوِّر التمثيل السياسي والإرادة الشعبية،

 

ونواجه تعيين المجلس النيابي وسياسة إلغاء الرأي الآخر

 

ونواجه الغيتوات الطائفية التي تصنعها كل طائفة لتتشرنق فيها وتنعزل، وتشجّع الآخرين على عزلها

 

ونناضل من أجل قانون انتخابات عصري يعتمد لبنان كله دائرة واحدة على أساس النسبية،

 

ومن أجل تعزيز الديموقراطية، بل من أجل إنقاذها من خطر التدمير المنهجي الذي تتعرض له

 

ومن أجل إعادة بناء الوطن والدولة، وطن الحرية والسيادة والاستقلال، ودولة القانون

 

ومن أجل أن يكون لنا مجلس نيابي وأن يكون المجلس النيابي حقاً سيد نفسه

 

من أجل أن تبقى المؤسسات ودولة المؤسسات

 

من أجل أن تبقى سلطة القانون وحدها حكماً بين اللبنانيين، بديلاً عن سلطة الميليشيات المسلحة وعصابات التشبيح على القانون وعلى الأملاك العامة والخاصة.

 

هذا التعاون في الانتخابات بين اليسار والانتماء اللبناني سيرسخ حقيقة التنوع اللبناني، وسيقدم نموذجاً جديداً للعلاقات بين اليساريين، إذ يقف في هذه المعركة جنباً إلى جنب مجموعة من رفاق تحدروا جميعاً من تجربة الحزب الشيوعي اللبناني ومدرسته، وسيقدمون نموذجاً رائعاً من التعاون الصادق والتضحية ونكران الذات بحيث أبدو، أنا المرشح اليساري المستقل، كأنني مرشح باسم حركة اليسار الديموقراطي، ويحدوني أمل كبير، على ضوء هذه التجربة، في أن يشكل تعاوننا فرصة لإعادة تجميع اليسار ولمّ شمله.

 

وهو نموذج جديد للتعاون بين طرفين عاشا عقوداً من الصراع، أعني بهما اليسار اللبناني ممثلاً بالحزب الشيوعي اللبناني وبين ما أطلقنا عليه الإقطاع السياسي. وها نحن اليوم، نحن المتحدّرين من كل صنوف اليسار ومن كل صنوف الإقطاع السياسي ندفع معاً ثمن الاستبداد السياسي الذي تمارسه ضدنا القوى السياسية المستحدثة التي صادرت شعاراتنا في التنمية والعدالة والمقاومة، واحتكرت النطق باسم الجنوب والجنوبيين، واستأثرت بالتمثيل السياسي مع سواها من القوى المستحدثة في لبنان، وها هو الانتماء اللبناني يعمل لصالح مرشح يساري كما لو أنه مرشحه.

 

لا أدعي أنني أملك مفاتيح الحقيقة وحدي. لكن مبررات ترشحي ومبررات تعاوني مع أي كان لمواجهة الثنائي الشيعي تبدو متماسكة في منطقها وتجد تفسيرها في مشروعي الإنقاذي، مشروع الدولة، في حين تبدو مبررات المعترضين على موقفي غير متماسكة ولا يربط بينها رابط.

 

حبيب صادق هو الوحيد، من بين من ترشّحوا خارج لائحة المحدلة المعلّبة وفي مواجهتها، الذي يحق له أن يفكر باحتمال الفوز في الانتخابات. فقد سبق له أن فاز عام 1972 في مواجهة الإقطاع السياسي الذي كان في ذروة نفوذه، واعترف أحد أركان السلطة بتزوير الانتخابات لحرمانه من الفوز، كما أنه حصد ثلث أصوات الناخبين في دورة 1996. ربما يكون حبيب صادق قد طبّق معاييره على ترشيحي ولم يأخذ بالاعتبار أن من حقّي أن تكون لي معاييري.

 

الحزب الشيوعي كان قد قبل بالتعاون السياسي والانتخابي والمالي مع كامل الأسعد في دورة 2005 ثم رفضه بعد ذلك؛ لائحة الخيار الديموقراطي التي رئسها حبيب صادق في دورة 1996 نسقت الانتخابات في اجتماع عقد في منزلي في جرجوع حضره عن التيار الأسعدي رياض الأسعد ومنيف الخطيب. لا أدعي أن موقفي من الانتخابات صحيح وأن مواقف سواي خاطئة، لكنني متيقن من تماسك موقفي ووضوحه مقابل ارتباك وعدم تماسك في مواقف الآخرين، بمن فيهم أصدقاء قريبون جداً دبّ في نفوسهم الرعب من مجرد الإعلان عن معارضتي للائحة المحدلة. موقفي في كل الدورات الانتخابية بعد الطائف يقوم على ضرورة تجميع القوى المعارضة.

 

بعد أن أعلنت ترشيحي وبرنامجي في نادي الصحافة بحضور أحمد الأسعد، قامت الدنيا ولم تقعد في المجلس الثقافي وتبدل موقف الذين حضروا المؤتمر الصحافي فور وصولهم إلى مقر المجلس، بمن في ذلك رفاق لي في حركة الإنقاذ. لا شكّ أن لحبيب موقعاً في قلوب محبيه وأنا منهم، لكن موقفي النقدي من تجربتنا النضالية لم يقتصر على نبذ كل ما له علاقة بالحرب الأهلية، بل تركز بشكل خاص على أخطاء اليسار في خوض الصراع الداخلي.

 

كانت معاركنا الداخلية محكومة بمعايير الصراع الدولي، لأننا كنا نضع تضحياتنا في سلة الاتحاد السوفياتي وصراع الثنائية القطبية. وكنا نصنف أصدقاءنا وأعداءنا بمعايير الصراع الخارجي، ولذلك استسهلنا الانخراط في حرب أهلية وحمّلنا لبنان فوق ما يحتمل، ولم نحسب حساباً للنتائج الكارثية التي ترتبت على برنامجنا النضالي ذاك. أما حبيب صادق فالأولوية في معاييره هي للأخلاق، وهذه من مزاياه، وهي نادرة بين السياسيين وغريبة على عالمهم. لكن المعايير الانتخابية تعتمد من المعايير ما له علاقة بالمصالح والأرقام لا بالأخلاق فحسب.

 

انتخابات 2022، إن حصلت، امتحان لقوى التغيير والتقدم والثورة. أول الخطوات فيها وأهمها تتمثل بتجميع كل القوى المناهضة للاستبداد في مواجهة الاستبداد السياسي والديني والحزبي، ومن أجل إعادة بناء الوطن والدولة.