محرّكاتها تدور بالسرعة القصوى قبل ساعات من يوم الحسم
14 و8، إن جاز التعبير. سلطة ومعارضة. أحزاب تقليدية وقوى تغيير. الجبهات الإنتخابية تطول والمواجهات بين مختلف الأطراف مفتوحة. لكن، على اختلاف مشاريعهم وخياراتهم، ثمة قاسم مشترك لحملاتهم. عن الماكينات الانتخابية نتكلم. نظرة على كواليس بعضها وقد بتنا على بعد أمتار من خط البداية – النهاية.
الوزير الكتائبي (السابق) آلان حكيم كشف لـ «نداء الوطن»أن التحضيرات الجدّية بدأت قبل عام تقريباً، في حين تحوّل الحزب بكافة أجهزته إلى ماكينة انتخابية منذ ستة أشهر تقريباً. العمل يرتكز على مستويين: الأمانة العامة وجهاز الإعلام، أولاً؛ والأجهزة التابعة كالجهاز النسائي ومجلس الأعمال، ثانياً.
الماكينة، التي تعتمد المنطق والعلم منهجاً، تلقفت أخطاء دورة 2018، بحسب حكيم: «تراكم الخبرة والأحداث يؤدي إلى تحسين الأداء الانتخابي والترشيحي والإداري. قرارنا هذا العام الالتزام التام بالمبادئ، مقارنة مع الدورة السابقة، حيث رضخنا في بعض الأحيان للإرادة الشعبية».
القانون الانتخابي يتصدّر صعوبات الماكينة إذ وصفه حكيم بـ»متاهة بلا حل على الصعيدين الإداري والتطبيقي». وقد تم وضع خطة وقائية للتصدي للمشاكل التكنولوجية والكهرباء والإنترنت، إضافة إلى خلية طوارئ لمواجهة الأحداث المفاجئة.
خارجياً، تشكلت الماكينة من فرق العمل في البلدان المختلفة، وعمادها الطلاب بشكل أساسي. وتتبع الفرق لتراتبية إدارية وحزبية، وكانت مرجعيتها المجلس الأعلى لجهاز المغتربين والمقيمين في الخارج، ومقرّه باريس.
شعار الحملة «ما منساوم» والمبدأ والموقف هما أول أولويات الماكينة. فقد اعتمدت على نبض الشارع وتجميع المعلومات من خلال قنوات التواصل مع القواعد ونتائج استطلاعات الرأي. وتأميناً للشفافية والحوكمة الإدارية الداخلية، هناك تعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنظمات رقابية أخرى. وإذ يلفت حكيم إلى «الاعتماد على ركيزتين أساسيتين، العنصر الشبابي والنسائي»، يضيف أن عمل الماكينة يتوقف بعد صدور النتائج ورفع التقارير التقييمية.
عمل وطني متكامل
محطتنا التالية كانت مع مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي، صالح حديفة. وقد أشار إلى أن لجان ماكينة الحزب تتألف من اللجنة الانتخابية المركزية، ومنها تنبثق اللجان الفرعية كاللجنة الإعلامية، اللوجستية، الإحصاء واستطلاع الرأي، لجنة الفرز ولجان المندوبين، ثم تندرج منها اللجان المناطقية. فريق العمل يتألف من مسؤولي المناطق والمسؤولين المركزيين في الحزب في مختلف القطاعات، ويتولى إدارة الماكينة الانتخابية مفوّض الشؤون الداخلية. أما لجنة التواصل والعلاقات العامة، فتتولى ملف متابعة العلاقة مع القاعدة الشعبية واللقاءات، إضافة إلى دور المرشحين وحركتهم في هذا السياق أيضاً.
لكل منطقة خصوصيتها، بحسب حديفة، حيث تراعي الماكينة حيثية كل منها. وفي ما خص انتخابات المغتربين، فقد كان لمندوبي الحزب وجود في مختلف دول الاغتراب إضافة إلى زيارات قام بها مرشّحوه إلى تلك الدول.
الصعوبات، كما يقول حديفة، لوجستية بالمقام الأول ومنها أزمة التنقل وصعوبة التواصل بين أقلام الاقتراع والماكينة المركزية نتيجة سوء الاتصالات والإرسال، ناهيك بأزمة الكهرباء.
بالنسبة للإحصاءات، ثمّة شق أساسي يتم داخل الحزب بناء على وجوده الدائم في القرى والبلدات، ما يخلق نوعاً من التوقع الأولي للنتائج. أما توزيع الأصوات، فيؤكد حديفة أن القرار هو للناس وجُلّ ما تقوم به الماكينة هو رسم استراتيجية تتضمّن بعض التوجيهات. مصادر التمويل تقتصر على الإمكانات الذاتية وبعض المساهمات. وفي الحديث عن دور عنصري الشباب والمرأة، يؤكد حديفة أنه يتجلّى من خلال لجنتي العمل الشبابي والنسائي، لافتاً إلى أن المزج بين أصحاب التجربة والمندفعين للعمل لا بد منه. وإذ يشير إلى أن عمل الماكينة ليس بالمبدأ موسمياً، إذ إن الانتخابات عمل وطني متكامل، يخلص حديفة إلى أن دورها المباشر ينتهي بعد تقييم الأداء بإيجابياته وسلبياته وتحديد الثغرات وأسبابها وكيفية تفاديها.
تنظيم وصلابة بالالتزام
ننتقل إلى المشرف على ملف الانتخابات في حزب «القوات اللبنانية»، الدكتور وسام راجي. فقد أكد أن عمل الماكينة، نظرياً وعملياً، لم يتوقف منذ انتهاء الانتخابات الماضية. وهي تتألف من قسم ماكينات المناطق، الأبحاث والإحصاءات، التحليل وتكنولوجيا المعلومات والقسم التطبيقي والتنفيذي. ومن أبرز مهامها متابعة الماكينات المناطقية والناخبين والمنخّبين وتدريبهم على النظام الانتخابي الإلكتروني الخاص بالحزب كما تحفيز الناخبين على القيام بواجبهم يوم الاستحقاق.
ماكينات دول الاغتراب ترتبط مباشرة بالماكينة المركزية في لبنان. كما يتم الاعتماد على شركات الإحصاء لتزويد الماكينة بالمعلومات. هل تتم متابعة عمل ماكينات أحزاب أخرى؟: «لا توجد ماكينة تتقدم على ماكينتنا إن على مستوى التخطيط أوالتنظيم والعمل، فالكل يأخذ منا»، يجيب راجي.
قدرة الماكينة القواتية على إسقاط مرشح أو إنقاذه تتراوح بين 5 إلى 10%. وهي نسبة تتأثر بتنظيم الماكينة وإمكانية إمساكها بالأرضية وتغيّر التوجه الشعبي العام، لا سيما في ظل قانون نسبي لا أكثري. عن المال الانتخابي، يوضح راجي أن اللعب في ملعب مماثل ليس من ثقافة «القوات اللبنانية»، إذ إن أولويات الحزب وبرنامجه الانتخابي يتمحوران حول محاربة الفساد. ويتابع: «مواجهتنا سياسية وشعارنا الأساسي «نحنا فينا» لأن لدينا القدرة على تنفيذ ما نعد به ونستمدّ قوتنا من ثقة الشعب بنا».
فريق العمل الذي يتخطى عدده الـ2500 شخص في الداخل والخارج، يتألف بمعظمه من الشباب – الطاقة الأساسية التي تتّكل عليها الماكينة. لكن الخبرة ضرورية لحسن توجيه تلك الطاقة، برأي راجي. أما العنصر النسائي، فهو موجود في الكثير من المراكز الحزبية والصفوف الأمامية عموماً. ما يميّز ماكينة الحزب، يختم راجي، هو التنظيم والانتشار، كما العلاقة الجيّدة مع معظم الدول ونظافة العمل التي لا ينكرها حتى الخصوم، ناهيك بالعمق والصلابة بالالتزام.
أمل بين الضاحية والجنوب
في دردشة سريعة مع المسؤول التنظيمي في دائرة بيروت الثانية في حركة أمل، زياد الزين، أعرب أن ماكينة الحركة في دائرة بيروت الثانية هي من الأكثر تماسكاً وفعالية وإنتاجية. ويظهر ذلك من خلال القدرة على تغطية جميع الأقلام بالمندوبين الثابتين كما تغطية المراكز الانتخابية بالمندوبين المتجولين، إضافة إلى تعيين رئيس ونائب رئيس لكل مركز مع مجموعة عمل من داخل تنظيم بيروت. الزين، الذي يشرف على الأعمال اللوجستية في الدائرة، يقول إن الماكينة نجحت في تشكيل لجان فاعلة ودينامية في كل مناطق الضاحية ذات الثقل الانتخابي الوازن. ومن شأن التواصل مع إقليمي الجنوب وجبل عامل نقل آلاف الأصوات البيروتية من قرى الجنوب الكبرى حيث تمّ تعيين روابط ولجان.
وبحسب الزين، السبب الرئيسي في التقدم الملحوظ هذا هو تسليم التنظيم وعهدته العملية الانتخابية بالكامل بقرار وتوجيه قيادي عالي المستوى.
تيّار زحلة
إلى زحلة، وجهتنا ما قبل الأخيرة، حيث تواصلنا مع مسؤول الماكينة الانتخابية للتيار الوطني الحر هناك، الياس عطاالله. الماكينة تتكون من هيئة قضاء لا يتوقف عملها على مدار السنة من خلال التواصل الدائم مع قواعد التيار. أما فريق العمل، فيتألف من مسؤول عن الماكينة وآخر عن المندوبين، مسؤول لوجستي، ومسؤول نقل وغيره. عمل كامل ينطلق مركزياً من الماكينة ليُتوَّج في أقلام الاقتراع. العلاقة بين أعضاء فريق العمل، بحسب عطاالله، هرمية وتتم بواسطة هيئات محلية على تواصل مباشر مع القاعدة. فالعمل موحّد في عناوينه العريضة لكنه يراعي خصوصية المناطق أحياناً. وللتواجد الاغترابي في بعض البلدان هيئات محلية، لكن لا قاعدة أساسية في الخارج. سوء اختيار تركيب اللوائح كان من أبرز أخطاء ماكينة العام 2018، يقول عطالله. وهو ما أثبته انفصال عدد من النواب عن التكتّل بعد انطلاق شرارة الحراك المدني.
اللجوء إلى حلول ذاتية أمر لا بدّ منه لمواجهة المشاكل التي تعترض عمل الماكينة، وذلك بمساندة طرفي التحالف العلني مع التيار: «حزب الله» والطاشناق. الإحصاءات داخلية بمعظمها أما جس نبض الشارع فمهمة دورية متابعةً للمتغيرات على الأرض. كيف تتعاملون مع حالات الطوارئ؟ يجيب عطالله: «نتعاطى مع الأحداث بحسب حجمها، ما يحدّد سبل المعالجة. نتوقع كل شيء ونعتبر أنفسنا بحالة طوارئ حتى يوم الاثنين». ماكينة التيار تستفيد من خبرات ماكينات الحلفاء، أما ماكينات الخصوم فلا تعويل عليها. المرشح يمكن أن يقع ضحية «خطيئة» ما أو تراخٍ معيّن من الماكينة، يشرح عطالله، ما يؤدي إلى تراجع حظوظه. أما سؤالنا عن دور المال الانتخابي، فبدا، عكس المراد، استفزازياً: «لا قدرة للتيار بأي شكل على التعاطي به لا سابقاً ولا حالياً ولا مستقبلاً، فلتكن الفكرة واضحة للجميع».
شمالنا
وأخيراً، نأتي إلى قوى التغيير وتجربتها الانتخابية، حيث أن معظمها يخوض المعركة للمرة الأولى. نسأل أحد المسؤولين في ماكينة لائحة «شمالنا» في دائرة الشمال الثالثة والتي تمّ تفعيل نشاطها منذ مطلع العام الحالي، فيخبرنا أنها تتألف من قسم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، القسم اللوجستي، قسم الخطاب السياسي والأبحاث وغيرها. وهي تتحرّك بإمكانيات بشرية كبيرة اعتماداً على العمل التطوعي (ومعظم المتطوعين يأتي دعمهم على حساب أعمالهم الخاصة) وقدرات مالية متواضعة (قوامها حملات بسيطة ومساهمة الأعضاء).
الهدف الأساس للماكينة هو إيجاد السبل المناسبة لإيصال الرسالة السياسية لأوسع شريحة من الجمهور، إن من خلال الزيارات الميدانية، الإعلام، اللقاءات العامة أو أي وسائل أخرى. ماذا عن الهيكلية؟: «هي أفقية بالكامل لا عمودية. ففريق العمل الذي يتألف من حوالى 500 شخص، وللشباب والنساء دور جوهري فيه، يُعتبر أفراده شركاء في القرار».
في ظل الانعدام شبه التام للتمويل، كانت ثمة معاناة في مقاربة انتخابات الخارج. فقد اعتمد المتطوعون على مواردهم الخاصة لإتمام العمل على أكمل وجه. ولغياب التجربة السابقة، تستفيد ماكينة اللائحة من خبرات المتطوعين في كافة المجالات، كما تتبادل المشورة مع ماكينات القوى التغييرية الأخرى. التصدي للجيوش الالكترونية التابعة لأحزاب المنظومة، يضيف المسؤول، يشكّل تحدياً صعباً إضافياً. هذا وتقوم الماكينة بعمليات رصد وإحصاءات داخلية، كما تستعين بإحصاءات شركات أخرى.
ماذا عن مقاربة الصوت التفضيلي وما هو معيار الفوز؟ يجيب المسؤول: «في وقت تسعى فيه غالبية الأحزاب إلى تقسيم أصوات الناخبين بين المرشحين، تقدّم «شمالنا» نهجاً جديداً يكون فيه الناخب صاحب القرار في اختيار الصوت التفضيلي. ففوز أي من المرشحين العشرة هو انتصار لمشروعنا».