غالباً ما ينحصر العمل السياسي بالخطابات والعظات، فيما تتلخص خدمات النواب والمرشحين بترقيع طريق من هنا وفتح مجرور من هناك. غير أن ملامح سياسة «مودرن» بدأت تظهر منذ فترة في منطقة الأشرفية بعيداً عن الحفر والمجارير، قوامها النائب نديم الجميّل والمرشح عن المقعد الأرثوذكسي في التيار الوطني الحر زياد عبس. هناك، باتت ساحة المواجهة الرئيسية النشاطات الاجتماعية المبتكرة والمهرجانات الشعبية.
الأحد الماضي، تحوّل شارع أرمينيا إلى شارع بيئي سياحي للمشاة أشبه بشوارع المدن الأوروبية، وانتشرت عشرات الأكشاك التي تبيع الأشغال اليدوية والمنتجات المحلية والتحف الفنية والأطعمة والمشروبات. ترافق ذلك مع عرض موسيقي وحلبة رقص وألعاب ترفيهية للأطفال. النشاط الذي اجتذب حشوداً كبيرة نفّذته جمعية «أشرفية 2020»، وهي مبادرة أطلقها الجميّل ويدعمها. وقبيل ذلك بعشرة أيام، وفي ذكرى الحرب الأهلية، شارك أهالي المنطقة والجوار في يوم على الدراجة الهوائية من تنظيم فرع الأشرفية في التيار الوطني الحر برئاسة عبس، تحت عنوان «درّجها لما تنعاد».
تفوق للجميّل في الترفيه وأفكار عبس ذات منحى وطني أكثر منه اجتماعياً
هكذا لا يمرّ شهر من دون أن يحظى أهالي المنطقة بنشاط ثقافي مسلّ في منطقتهم، حيث تمكن المرشحون من تحويل الخصومة السياسية إلى تنافس بنّاء ومفيد للناخبين، مع تسجيل تفوق للجميّل في نوعية النشاطات التي تنظمها «أشرفية 2020». إذ غالباً ما تجتذب نشاطاتها إقبالاً من خلال مشاريع لإنعاش أحياء الأشرفية وإبقائها خضراء وتنشيط المحال التجارية وخلق مساحة مشتركة للأهالي وأبنائهم للاستمتاع بشوارعهم سيراً على الأقدام. فيما تتخذ أفكار جمعية «لوغوس» المدعومة من عبس منحى وطنياً أكثر منه اجتماعياً، كرفع علم كبير في ساحة ساسين بمناسبة عيد الاستقلال أو جمع تبرعات لمساعدة الجيش في عرسال إلى جانب أفكار أخرى لمساعدة المحتاجين عبر جمع الأثاث المستعمل، وتأهيله، ووضعه في تصرف الأهالي.
رغم ذلك، لا يزال عدد من سياسيي المنطقة يتبعون التقويم السياسي القديم. فوزير السياحة ميشال فرعون، مثلاً، لا يجد نفسه معنياً بالترفيه عن الأهالي والاستفادة من موقعه لابتكار مشاريع سياحية مفيدة للمنطقة. «التسلية» الفرعونية الوحيدة تتلخص في حفل عشاء سنوي يدعو إليه النواب وبعض الأهالي والفعاليات ليخطب فيهم، وإن كان في العادة يلبي دعوة الجميّل إلى نشاطاته، فيحضر لخمس دقائق يوزع الابتسامات ويرحل. مرشح التيار الوطني الحر نقولا الصحناوي ـ هو أيضاً ـ الأسلوب نفسه، ولو أنه يحاول أكثر من خصمه الاختلاط اجتماعياً بناخبيه. فيما على المقلب الآخر، مرشح قواتي أرثوذكسي هو منسق منطقة بيروت في القوات اللبنانية عماد واكيم، يزاحم المرشحين الكاثوليكيين، فرعون والصحناوي، على لامبالاتهما، فيقاطع كل المهرجانات والنشاطات.
يبقى من الواضح أن الاستجابة الشعبية للسياسة «المودرن» والنشاطات المبتكرة تفوق بأضعاف الاستجابة لحضور مهرجان سياسي أو حزبي خطاب مملّ، لا يسعد طفلاً ولا يحيي دورة اقتصادية ولا يسمن ولا يغني من جوع اللبنانيين إلى الفرح بدل تعييرهم بإنجازات وخدمات يسمعون عنها ولا يرون لها أثراً.