يتداول الناس، أخبار المرشحين للانتخابات النيابية التي تفتح صناديقها الأحد، بشيء من السخرية، لما يقطعونه من وعود وما يوزعون من ابتسامات، ويقومون من زيارات مرفقة بمساعدات عينية أو نقدية، حتى اذا ما أقفلت الصناديق غروب يوم الأحد ينفخت الدفّ ويتفرّق العشّاق.
لكن نادرا ما يتداول هؤلاء الناس بمعاناة المرشحين، مع القانون الجديد ومع رؤساء اللوائح ثم مع الحاصل الانتخابي الذي على المرشح ان يحصّله، كي يصبح لأصواته التفضيلية قيمة، وأخيرا مع الموازنة التي عليه رصدها كي يحصل على مقعد في اللائحة أولا، وليستطيع الانخراط في لعبة البورصة الانتخابية ثانيا.
وليس دفاعا عن المرشحين ولا تبريرا لمغالاتهم في قطع الوعود واطلاق التعهدات، انما تقريرا موضوعيا لحالة قديمة معاشة في لبنان، تحوّلت مع الانتخابات الحاضرة. من مسرى ديمقراطي استثماري الى ظاهرة مأسوية على المستوى الوطني العام، وكأن الحياة النيابية في لبنان، باتت مجرد عملية تجارية، فيها رابح وخاسر، وبائع وشار، ولا مكان للقيم أو المفاهيم…
المسؤولون على مختلف مستوياتهم، يعترفون بتفشي ظاهرة الرشوة الانتخابية، أو الشوبينغ الانتخابي كما يصفه البعض تحضرا، وعملا بنظرية سوق مع السوق… حتى ان بعضهم شبّه هذه الظاهرة بآفة زراعة حشيشة الكيف، التي تدرّجت العلاقة الرسمية بها من القمع الى غضّ الطرف الى السعي للتشريع، تحت عنوان الاحتياجات الدوائية.
وهكذا الرشى الانتخابية، من الانكار الى الممارسة والاعتراف وصولا للتسليم بها، كعنصر إنعاش للحركة الاقتصادية…
وحتى في هذه الحالة ثمة ظاهرتان جديدتان: المجادلة حول سعر الصوت، أو المكاسرة والمزايدة بحثا عمن يدفع أكثر، فضلا عن استحقاق الدفع: قبل الحاصل الانتخابي الذي يضمن للمرشح قبوله كمنافس على صعيد الصوت التفضيلي، حتى لا يذهب كل ما دفعه مسبقا مع الريح، اذا تبين ان حاصله الانتخابي، دون السقف المطلوب، أو بعد تحقيق الحاصل، وهذا ما لا يتقبّله الناخبون.
وعلى صعيد المكاسرة بالأسعار، يروى ان أحد العاملين، في الأطراف، رفض تسلم مئتي دولار من مفتاح انتخابي ثمنا لصوته، وأبلغه انه بحاجة لدرّاجة نارية تساعده على التنقل. ولما كان ثمن الدرّاجة بحدود الألفي دولار، اعتذر المفتاح عن التلبية، لأن المرشح الذي يعمل له بحاجة الى ١٥ ألف صوت على الأقل، فمن أين له المال لشراء دراجات لكل هؤلاء؟
فأجابه العامل قائلا: طلبت منك درّاجة امتطيها مقابل صوتي وأصوات العائلة، ولمرة واحدة، فيما أصواتنا المتواضعة تسمح لك بالركوب على ظهرنا أربع سنوات قابلة للتمديد…
وذروة معاناة المرشحين مع الصوت التفضيلي انه يحوّل الحلفاء الى أخصام، والمؤيدين الى معارضين، وكل مرشح يقول: يا ربّي نفسي وهو ما يتطابق مع قول مأثور للإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وفيه: في الحياة، لن يقاسمك الوجع صديق، ولن يتحمّل عنك الألم حبيب، ولن يسهر بدلا منك قريب، فاعتن بنفسك، ولا تعط الأحداث فوق ما تستحق، وتأكد انك حين تنكسر لن يرممك سوى نفسك، وحين تنهزم لن ينصرك سوى ارادتك…
أما معاناة اللبنانيين مع قانون الصوت التفضيلي، الذي يحصر خيارك بمرشح واحد، ليفرض عليك باقي أعضاء اللائحة، فمتعددة الأسباب، وأبرز هذه الأسباب انه يفرض عليك تجريب المجرّب كما في الأمثال العراقية، في حين يعتبرون في لبنان ان من يجرّب المجرَّب، يكون عقله مخرّب… فكيف اذا قارب عدد المجرّبين العائدين، التسعين نائبا؟…