10 آلاف طلب متراكمة لدى «دبّاس»
المياومون بين مطرقة الاستخدام السياسي وسندان الشركات التي لا تدفع رواتبهم (هيثم الموسوي)
يدفع سكان الضاحية والجنوب وجبل لبنان الجنوبي ثمن خصخصة خدمات الكهرباء. إذ تراكمت المعاملات غير المنفذة لدى شركة «دباس» المسؤولة عن هذه المناطق إلى أكثر من 10 آلاف معاملة تتعلق بأعمال الصيانة وتركيب العدّادات والكشف على المباني الجديدة وتركيب المحولات وسواها… أما مياومو الشركة، فهم بلا رواتب منذ ثلاثة أشهر في انتظار الحلّ السياسي!
من أبرز نتائج خصخصة خدمات الكهرباء في لبنان، أن بعض الشركات التي لُزّمت تقديم الخدمات، ببساطة، لا تقدّم خدمات! في مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية، مثلاً، يجري اللجوء إلى «الخدمات الذاتية» لإبعاد شبح زيادة ساعات التقنين عن السكان. وبحسب مصادر مطلعة، تقوم فرق شباب العمل الاجتماعي في حزب الله، بالتعاون مع البلديات، بأعمال صيانة الشبكات وخطوط النقل في هذه المناطق بدلاً من شركة «دباس» (NEUC) التي نالت التزام تقديم خدمات الكهرباء في الضاحية الجنوبية وجبل لبنان الجنوبي والجنوب. وهذا نموذج شديد الوضوح عما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد الخصخصة الكاملة.
في منتصف 2012 وقّعت وزارة الطاقة عقوداً مع ثلاثة مقدمي خدمات لمؤسسة كهرباء لبنان هم: «BUS»، «NECU، و»KVA». يومها بدأت عملية خصخصة جزئية لمؤسسة كهرباء لبنان تتضمن تلزيم الخدمات الكهربائية في المناطق، وتتضمن أعمالاً مختلفة من تصميم شبكة التوزيع وتنفيذها وتشغيلها وصيانتها وخدمة الزبائن وشبكة العدادات (تركيب عدادات والكشف على المباني الجديدة وجباية الفواتير وتركيب محولات الأحياء وصيانة الأعطال على الخطوط وشبكات التوزيع…).
وبهدف ضمان كفاءة أعلى لهذه العملية، وضعت الوزارة والمؤسسة معايير للأداء كان يفترض أن تلتزمها الشركات الثلاث. لكن هذه الشركات، عملياً، فشلت، بدرجات مختلفة، في بلوغ الأهداف المرسومة لها. وكانت الأسوأ بينها شركة «دباس» (NEUC) التي لُزّمت تنفيذ الأعمال في المناطق الأكثر ازدحاماً والأكثر فقراً في البنية التحتية، أي في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان ومناطق الجبل (جبل لبنان الجنوبي). مُدّدت عقود الشركات، مرة بعد أخرى، فيما رُمي فشلها دائماً على عاتق مياومي الكهرباء الساعين إلى الحصول على ديمومة عمل وتثبيتهم بدلاً من المتاجرة بهم من قبل الشركات والسياسيين. فهؤلاء كانوا عمالاً غبّ الطلب يعملون بشكل دائم لدى مؤسسة كهرباء لبنان، وانتقلوا، ضمن «الصيغة الدائمة»، إلى مقدمي الخدمات. وكان وجودهم دائماً مرتبطاً بوصفهم عمالاً مياومين لدى شركات تلتزم أعمالاً من مؤسسة كهرباء لبنان! معادلة ثاروا عليها فباتوا متهمين بعرقلة مسار الكهرباء.
أكثر المتضررين سكان المناطق الذين يحصلون على خدمات بجودة متدنية وكلفة باهظة
واستناداً إلى هذه الاتهامات حصلت الشركات الثلاث على رأي قانوني من هيئة التشريع والاستشارات في وزاة العدل ينصّ على أنه «يحق لشركات مقدمي الخدمات أن تتقاضى الكلفات الإضافية التي تكبدتها عن أربعة أشهر من التعطيل عن تقديم الخدمات».
إذاً، المشكلة واضحة. فالمياومون يطالبون بحقوقهم التي اعترف بها ضمناً الرأي القانوني الصادر عن هيئة التشريع والاستشارات. إذ نصّ في حيثياته على أنه «بموجب العقود (بين مؤسسة كهرباء لبنان ومقدمي الخدمات)، انتقل إلى شركات مقدمي الخدمات، العمال الذين يعرفون بعمال غب الطلب وجباة الإكراء الذين كانوا ينفذون أعمالاً لمؤسسة كهرباء لبنان طوال عقود من الزمن من خلال شركات متعاقدة مع مؤسسة كهرباء لبنان، إضافة إلى جباة الإكراء الذين كانوا متعاقدين مع مؤسسة كهرباء لبنان بموجب عقود إجارة صناعة».
اعتراف من هذا النوع يضع ما ورد في ختام الرأي القانوني الصادر عن الهيئة في 31/10/2017، أمام تناقض واضح. فهؤلاء لديهم حقوق لم يحصل بعضهم عليها، لكن مطالبتهم بها وإضرابهم عن العمل، وهو حق مكفول قانوناً في العقود الجماعية، يحتسب تعويضاً للشركات! علماً أن كلفة تلزيم هذه الشركات أعلى من العقود السابقة بأكثر من الضعفين بسبب المبالغة في الأسعار، وهي لا تحقق النتائج المطلوبة منها، بل لديها القدرة على الاستحصال على «إعفاء سياسي» منها، إضافة إلى تمديدات سياسية متواصلة بشكل فصلي منذ آذار 2016. وفي جلسة مجلس الوزراء في 12/10/2017، أقرّت الحكومة التمديد لشركتي BUS وKVA لغاية 31/12/2021 لتستمرا بالعمل في مناطق جبل لبنان الشمالي والشمال وبيروت والبقاع، إلا أنه طلب من وزارة الطاقة والمياه إيجاد الحلول المناسبة لمناطق الجنوب وجنوب جبل لبنان مع شركة «دباس» أو «طرح مناقصة وفق الأصول لتلزيم مقدم خدمات جديد وفق الشروط الجديدة». وقد تضمن القرار الآتي: «الموافقة على الإعفاء استثنائياً من تطبيق مؤشرات الأداء على أعمال مقدمي خدمات التوزيع المنفذة خلال 2017، وذلك لأن التمديد فصلياً أدى إلى عدم إمكانية التمويل، وبالتالي عدم تنفيذ استثمارات كبيرة لتغطية نفقات مقدمي الخدمات، على أن لا تطالب الشركات بأي تعويضات أو مطالبات عن هذه الفترة».
المشكلة الأساسية أن السياسيين استغلّوا المياومين والشركات أيضاً. فمن جهة يسعون إلى توسيع قاعدة العمال المياومين من خلال فرض توظيف جديد لدى الشركات، ومن جهة أخرى يمنحون الشركات الامتيازات مقابل ولاءات سياسية ومالية، ثم يدفعون المياومين إلى الإضراب للمطالبة بحقوقهم.
من يدفع الثمن اليوم هم المياومون الذين لم يحصلوا على حقوقهم، ولا تدفع «دباس» رواتبهم منذ ثلاثة أشهر. والجهة الأكثر تضرراً من هذا الملف، سكان المناطق الذين يحصلون على خدمات كهربائية بكلفة باهظة مموّلة من جيوبهم وبجودة متدنية جداً. فعلى سبيل المثال، يزيد عدد الطلبات المتراكمة لدى شركة «دباس» على 10 آلاف، من بينها كشوفات على 900 مبنى جديد تحتاج إلى الكهرباء، و200 محطة توزيع للأحياء… الأشغال المتراكمة كبيرة إلى درجة أن تنفيذها بات يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً. هذا الجهد يقوم به شباب العمل الاجتماعي في حزب الله والبلديات التي تشتري الكابلات والتابلوهات والتجهيزات التقنية لتركيبها في الضاحية… المسألة بدأت تلامس بعداً خطيراً يولّده غياب الدولة المشغولة بخصخصة الخدمات والاستغلال السياسي للعمال.