هي صدمة كهربائية صاعقة أصابت الطبقة السياسية المهترئة، بفوز المهندس جاد انطوان تابت بمقعد نقيب المهندسين، متحدياً ائتلافاً سياسياً، ضم أحزاباً وتيارات تناست خلافاتها التقليدية والمزمنة، وتلاقت على الإمساك بخناق واحدة من أهم وأعرق النقابات المهنية في لبنان.
فوز جاد تابت ليس انتصاراً شخصياً على منافسه الحزبي بول نجم، بقدر ما هو انتصار كبير للمجتمع المدني المنخرط في مسيرة التغيير والتطوير، وبناء دولة تضع المواطنة قبل الطائفة، وتجعل من المساواة بين أبناء الوطن، قاعدة ذهبية لاستيعاب الطاقات الشابة، ودفن زمن الاستزلام والمحسوبية، وما يرفده من احتكار للسلطة، وتسلط على مقدراتها ومغانمها!
لا تظاهرات، ولا حركات شغب في الشارع،
لا يافطات، ولا شعارات تكتفي بدغدغة الغرائز والأحلام،
ولا خطابات ولا تصريحات تخفي عُقد حب الظهور في الإعلام،
خطوات مدروسة، واتصالات ناشطة، وخطة عمل موعودة كانت كافية لاستنهاض همّة المهندسين، خاصة الشباب، واستنفار أصواتهم، لتحقيق هذا الاختراق المشهود في جدار الائتلاف السميك، الذي اجتمع حوله معظم الأطراف السياسية، معلنين انطلاق حركة رفض وتمرد ضد الهيمنة الحزبية والفئوية والغرضية!
لعل أهمية هذا التحدي الذي تواجهه الطبقة السياسية على حين غرة، انه جاء غداة انتهاء جلسات المناقشة العامة، وما تخللها من سفسطات وقنابل دخانية في كلمات النواب، وفي الوقت نفسه، عشية انعقاد مجلس الوزراء في جلسة طارئة اليوم، للبحث في مشروع قانون الانتخاب، والذي ما زال يتنقل في عالم الغيب، بعيداً عن مشاريع الوزير جبران باسيل!
* * *
لا يتوهمن أحد أن التغيير يمكن أن يحصل بكبسة زر، أو نحن قاب قوسين أو أدنى من الوصول إليه، لأن التجارب علمتنا بأن المسألة تخضع لمسار طويل، كثير التعقيد، وحافل بشتى الألغام، ولكن لا بدّ من إدراكه في النهاية مهما بلغت التضحيات، لأن لا حياة لأمة، ولا استمرار لوطن، في حال بقي التغيير يُصنّف، عند البعض، في خانة المستحيلات.
الواقع أن الانتخابات البلدية الأخيرة أظهرت بوادر تغيير في أكثر من منطقة، ولدى معظم الطوائف. لا الثنائي الشيعي حال دون فوز لوائح ومرشحين مستقلين، ولا التحالف العوني – القواتي استطاع إلغاء المستقلين والحؤول دون فوزهم في عدّة بلديات، وكذلك حال تيّار المستقبل في بلديات كانت سابقاً مقفلة عليه بلا منازع.
ولأن الأطراف السياسية المعنية، أدركت أبعاد ما جرى في الانتخابات البلدية، وتحاول تفادي تكراره أو حصول ما هو اكبر منه في الانتخابات النيابية، فهي تسعى إلى تأجيل مواعيد الانتخابات النيابية، على أمل كسب الوقت، وترميم القواعد الشعبية من جديد.
ولكن المفارقة، أن انطباعات الرأي العام، وقناعات الناس، تزداد رسوخاً، يوماً بعد يوم، بواقع الفساد المنتشر بين أطراف الطبقة السياسية، على إيقاع الصفقات المليارية في الكهرباء والنفط، والسدود والنفايات، فضلاً عن مزاريب الهدر، حتى لا نقول سرقات، في الجمارك والريجي والدوائر العقارية والبلدية!
جاد تابت أنت امام تحدي النجاح والتغيير، كان الله بعونك على جماعات العرقلة والتفشيل!