العربة قبل الحصان؟
وضعت السياسة الكهربائية اللبنانيين، في دوامة من الأزمات لا مخرج منها. لا تكاد الحلول المقترحة أن تَخرج من حلقة مفرغة، حتى تعود وتدخل في حلقة مفرغة ثانية متفرعة منها، ثم ثالثة ورابعة. هكذا دواليك، استمرت الخطط المتدحرجة منذ العام 2010، تاريخ اطلاق وزير الطاقة والمياه آنذاك جبران باسيل «ورقة سياسة قطاع الكهرباء»، من قصر الأونيسكو، بوضع «عربة» رفع التعرفة وبناء المعامل الدائمة والمؤقتة لزيادة الانتاج، قبل «حصان» الاصلاحات. فتشلّعت العربة، «وفر الحصان»، وغرق لبنان في الظلام.
ما يجري اليوم على صعيد «الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء في لبنان»، التي وافق عليها مجلس الوزراء في 16 آذار 2022، ومن ثم عاد وأكد عليها في تبني «خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء» في 5 آب 2022، لا يختلف البتة عما جرى سابقاً. الاصلاحات بقيت «حبراً على ورق»، والهمّ انتقل من إنشاء المعامل في الخطط القديمة، وسلعاتا في مقدّمها، إلى زيادة التعرفة.
وإنعاشاً للذاكرة فان الخطة الوطنية، الجديدة القديمة، للكهرباء، قد بنيت على العديد من المحاور، يتطلب تطبيقها فترة زمينة تنتهي في العام 2026. عندها تصبح الكهرباء 24/24. ولكن فلنلقِ نظرة على الشروط التي كان من المفترض تطبيقها في العام الحالي، ونتابع من بعدها.
الشروط التي كان من المفترض تطبيقها
– إنتاج الكهرباء بأقل تكلفة.
– زيادة التغذية بين 8 و10 ساعات في النصف الاول من العام 2022.
– إستقدام الكهرباء من الاردن واستجرار الغاز المصري.
– تحضير دفتر شروط لانشاء محطات انتاج جديدة.
– إعتماد جدول زمني لادخال التحسينات على الشبكة.
– تخفيض الهدر وتفعيل الجباية.
– تركيب العدادات الذكية.
– تحقيق الاستدامة المالية من خلال تعرفة مدروسة.
– المباشرة فوراً باجراءات تعيين أعضاء الهيئة الناظمة بموجب القانون 462/2002.
– قياس استهلاك النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين للطاقة وجباية فواتيرهم.
– تعزيز الشفافية المالية في مؤسسة كهرباء لبنان.
– جذب الاستثمارات.
صفر إنجازات
ماذا تحقق من هذه الشروط؟ صفر إنجازات. وللتستر على هذا الفشل لم تجد وزارة الطاقة ومن خلفها مؤسسة الكهرباء إلا الضغط لتنفيذ مطلب حق بزيادة التعرفة، إنما مع الاسف «يراد به باطل لانه ببساطة لن يحل المشكلة»، بحسب المهندس المتابع لملف الكهرباء محمد بصبوص، «خصوصاً في ظل معدلات هدر تتجاوز 50%، لم تجرِ معالجتها، وتحكّم السلطة السياسية بالقرارات المفصلية في القطاع نتيجة غياب الهيئة الناظمة».
ما هي التحديات؟
إذن، كل الامور عالقة اليوم في مربع زيادة التعرفة من حدود 135 ليرة للكيلوواط/ ساعة إلى حدود 8200 ليرة (27 سنتاً مضروبة بـ 30100 ليرة، سعر منصة صيرفة) المفترض بدء العمل بها مع مطلع الشهر القادم. وهنا توجد 10 تحديات أساسية لا يمكن تجاوزها:
الاول، الارتفاع المستمر في سعر الصرف على منصة sayrafa مقابل تدني الاجور وثباتها. ففي آذار الماضي، تاريخ وضع الخطة، كان سعر الصرف على «المنصة» يقارب 20 ألف ليرة. وعليه كانت تسعيرة 27 سنتاً توازي 5400 ليرة. أما اليوم فان سعر الصرف تجاوز 30100 ليرة والكيلوواط ارتفع إلى أكثر من 8000 ليرة.
الثاني، إبقاء التعرفة على سعر 27 سنتاً للكيلوواط الواحد مشروطة بتسديد الدولة لمستحقاتها البالغة نحو 230 مليون دولار. وفي حال تخلفها فان التعرفة على المواطنين ترتفع إلى 37 سنتاً للكيلوواط ساعة.
الثالث، العجز عن أخذ أرقام العدادات على كامل الاراضي اللبنانية قبل البدء بتطبيق التعرفة الجديدة. الامر الذي سيعرّض المواطنين إلى التسديد على السعر الجديد، لاستهلاك يعود إلى المرحلة التي تسبق تغيير التعرفة.
الرابع، رفض اعتماد التعرفة الجديدة من قبل فريق سياسي عريض، مثل الثنائي الشيعي.
الخامس، ضرورة تأمين مصرف لبنان ثمن الشحنات الاولى من النفط لزيادة ساعات التغذية، حتى تبدأ جباية العدادات على أساس التعرفة الجديدة. خطوة تذكرنا بسلفات الخزينة التي راكمت ديناً على لبنان بمليارات الدولارات.
السادس، إن رفع التعرفة قبل زيادة الانتاج لما بين 8 إلى 10 ساعات قد لا يمكّن الكهرباء من جمع مبلغ كاف لتسديد ثمن شحنات الفيول المستقبلية بسبب الانخفاض في الاستهلاك.
السابع، ان التغيير الشهري بسعر التعرفة المتوقع أن يأخذه المدير العام للكهرباء منفرداً، بناء على السعر الوسطي على منصة صيرفة، وبحسب كلفة الانتاج الحقيقية المعتمدة على سعر النفط العالمي وفق سعر برميل النفط (برنت)، يخالف نظام انشاء مؤسسة كهرباء لبنان حيث يتطلب تغيير التعرفة قراراً من مجلس الوزراء.
الثامن، إن الاكلاف التشغيلية للكهرباء من دون كلفة الفيول للمعامل، تتراوح بين 800 مليون والمليار دولار سنوياً، وبالتالي فان الجباية على أساس 27 أو حتى 37 سنتاً للكيلوواط ساعة، ستبقى عاجزة عن الوفاء بالالتزامات «المنفوخة» في الكثير من العقود.
التاسع، الاشتراط أن يؤمن مصرف لبنان تبديل الليرات إلى دولارات. الامر الذي يؤدي إلى واحد من أمرين: إستمرار السحب من احتياطيات العملات الاجنبية المتوفرة (توظيفات الزامية، وحقوق السحب الخاصة)، أو شراء الدولار من السوق مقابل طباعة الليرة. وفي الحالتين يؤدي الامر إلى زيادة الضغط على الليرة، وبالتالي انخفاض سعرها مقابل الدولار.
العاشر، يشكل السعر الجديد أحد أعلى التعرفات في العالم. حيث يبلغ المتوسط العام لسعر الكيلوواط ساعة حوالى 15 سنتاً، وهو لا يتجاوز الـ 35 سنتاً في المانيا التي يتمتع بها الفرد بمستوى دخل يفوق بأضعاف مضاعفة مثيله اللبناني. هذا عدا عن معاناتها من ارتفاع مضاعف في اسعار الغاز وامداداته بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
إضافة مشكلة بدلاً من الحل
«أمام هذه التحديات المترافقة مع: نسب هدر فني وغير فني مرتفعة، وعقود منتفخة، وهدر وفساد واضحين، وفوضى إدارية، وتعطل مراكز المراقبة والتوزيع، وتهدم المبنى الاساسي للمؤسسة… يبدو أن زيادة التعرفة ستكون مشكلة جديدة بدلاً من أن تكون الحل المنشود»، يشدد بصبوص. و»على المعنيين في ملف الطاقة البدء بتخفيض الهدرين والاصلاح الاداري والمالي من أجل تسهيل بداية ما وعد به لبنان من كهرباء أردنية وغاز مصري».
الفشل مكتوب من اليوم الاول
فشل خطة الكهرباء بتنفيذ ولو بند واحد من بنودها الكثيرة، لم يشكل مفاجأة بالنسبة للخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر. إذ «منذ اللحظة الاولى للاعلان عن الخطة ظهر بوضوح أنها لا تحاكي الواقع. ولا سيما في ما يتعلق باجراءات التوسع بانشاء المعامل الحرارية الجديدة». فـ»في ظل الانهيار المتمادي وارتفاع أسعار الغاز والمحروقات، لم تعد المعامل هي الخيار الأمثل لزيادة الطاقة الانتاجية، إنما التوجه بشكل فعال ومدروس نحو الطاقة المتجددة، وهذا ما لا تلحظه الخطة»، تقول أبي حيدر، و»رغم رفدنا الخطة بمشروعي قانون أساسيين لتعزيز واقع ومستقبل الطاقة المتجددة في لبنان، فلم يعرهما أي مشرّع الاهمية المطلوبة وما زالا في المجلس، وهما:
– مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، والذي يتضمن إتفاقيات انتاج وبيع وشراء الطاقة، حيث يجوز عقد اتفاقيات الشراء بين المستهلك ومنتج الطاقة مباشرة من دون المرور بالشكبة العامة، وذلك بعد استحصال موافقة مؤسسة الكهرباء. ربط المنتجين على الشبكة العامة ضمن مواصفات فنية محددة. إصدار الانظمة والقرارات اللازمة لتطبيق القانون في غضون عامين، الرصد والمراقبة، إنشاء مديرية خاصة للطاقة البديلة من أجل حسن تنفيذ القانون وكل ما يتعلق بأداة متطلبات الطاقات البديلة.
– مشروع قانون حفظ الطاقة، «المختفي» وغير الموضوع على أي طاولة نقاش أو جدول أعمال أي لجنة في البرلمان سواء كانت أساسية أم فرعية. ذلك مع العلم أن هذا القانون أكثر من أساسي، لانه ببساطة لا يمكن الحديث عن طاقة متجددة فعالة من دون الحديث عن حفظ الطاقة، التي تضمن الجودة في المعدات وإعطاء التحفيزات لشراء السلع والمعدات التي تعمل على الطاقة المتجددة. وتأهيل المباني وغيرها الكثير من المتطلبات».
تعديلات تنسف مشروع قانون الطاقة المتجددة
بحسب كريستينا أبي حيدر فان «مشروع قانون انتاج الطاقة المتجددة والموزعة»، ما زال عالقاً لغاية الآن في لجنة نيابية فرعية، وقد أدخلوا عليه، بحسب المعلومات، الكثير من التعديلات التي تؤثر بشكل أساسي على جوهره وروحيته. حيث كان الهدف منه فتح انتاج الطاقة النظيفة من القطاع الخاص لحد 10 ميغاواط من دون أي رخصة أو وسيط مثل كهرباء لبنان، والسماح للمنتجين استعمال الشبكة العامة مقابل رسم استعمال بسيط. فنسفوا البنود الاساسية، وأعادوا الحل والربط إلى يد وزير الطاقة إلى حين تعيين الهيئة الناظمة. الامر الذي يفقد المستثمرين المحفزات الضرورية للتوسع بالانتاج من مصادر الطاقة المتجددة. ويفقدهم أيضاً الثقة بالتعامل مع الجهات التي كانت سبباً للمشكلة. وبالتالي يحرم البلد والمواطنين من طاقة نظيفة ورخيصة ومنظمة ومترابطة بشكل فعال».
بداية الحل بقرض البنك الدولي
مشروع رفع التعرفة الذي وضع على قدم وساق للبدء به مطلع الشهر القادم يبدو، بحسب كل المؤشرات التقنية والسياسية، أنه لن يبصر النور قريباً. ومع الغموض في ما يتعلق بادارة وزير الطاقة وليد فياض لعملية تبادل النفط مع العراق رقم 2، والضبابية التي تحيط بصفقة النفط الايراني والتي لا تكفي أساساً لأكثر من 6 أشهر، وفشل التواصل مع الجزائر، فان الامور عادت إلى المربع الاول. وبحسب المعلومات فان الكوة الوحيدة التي قد تفتح في جدار العتمة هي تسهيل البنك الدولي، بوساطة اميركية، وصول الكهرباء الاردنية بمعدل 250 ميغاواط، والغاز المصري لتشغيل معمل دير عمار بقدرة 450 ميغاواط، كمكافأة على الترسيم ربما. الأمر الذي يوفر بين 3 و 5 ساعات كهرباء، وعندها تصبح التعرفة الجديدة أمراً واقعاً، من دون أن يعني ذلك حل ازمة الكهرباء عموماً.