Site icon IMLebanon

مقارنة بين إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وإدارة مولّد منزلي بسيط

 

أصبح إنهيار مؤسسة كهرباء لبنان الشائك والمعقّد، حقيقة مُرّة، محكومين بتقبّلها ومحاولة إدارتها العقلانية. إنّ هذا الإنهيار الشامل يُمكن تفسيره وتفهمّه بمقاربة ومقارنة بسيطة مع مولّد كهربائي منزلي بسيط في مبنى سكني.

 

في حال قرّر سكان مبنى إستثمار مولّد كهربائي، يجتمعون كلهم ويتفقون على هذا الإستثمار وتمويله، ولا سيما كيفية إدارته. فالقرار الأول البديهي سيكون تعيين مسؤول لإدارة كل الشؤون المتعلقة بهذا المولّد، من ماليته إلى صيانته وإدارته وتوزيعه للتيار الكهربائي. على هذا المدير أن ينال الثقة التامة من السكان، وأيضاً إدارة هذا المشروع بشفافية تامة وملاحقة دقيقة. من ثم على هذا المسؤول أن يوظّف شخصاً لملاحقة كل الأمور التشغيلية للمولّد، بدءاً من تعبئة الوقود، مروراً بالصيانة وقطع الغيار، ومعالجة الأعطال، وملاحقة دقيقة لكل شاردة وواردة.

 

من ثم ستتوزع الكلفة التشغيلية وتحديد الأقساط الشهرية بالتساوي بين السكان، لتلبية كل المصاريف التشغيلية بطريقة واضحة، سليمة وشفافة. وبعد سنوات عدة، وبعد الإستهلاك الكامل، يُمكن أن يقرّر السكان إستبدال المولّد وتحديثه وتكبيره أو تصغيره، حسب الحاجة. وهذه هي الأمور الطبيعية لإستثمار إدارة وتشغيل وصيانة وتغيير مولّد كهربائي بسيط.

 

لكن في حال كانت قد سُلّمت إدارة هذا المولّد لكل السكان من دون تعيين مسؤول، تحصل تجاذبات وخلافات يومية حول إدارة هذا المولّد، وفي الوقت عينه، تطيح كثرة المسؤولين بالمسؤولية الحقيقية، وتؤدّي إلى فشل في تشغيل وإدارة هذا المولّد. وفي الوقت ذاته، في حال كان وُظّف أشخاص عدة لملاحقة الأمور التشغيلية للمولّد، كان أيضاً من المستحيل ملاحقة هذه الأمور، لأنّ «كثرة الطبّاخين تُحرق الطبخة وتكسر الميزانية» من دون أي إنتاجية حقيقية.

 

من جهة أخرى، في حال إمتنع أحد سكان المبنى، عن تسديد إلتزاماته، وقسم آخر بات يحترم النظام المالي، يؤدّي ذلك حتماً، إلى ضياع العدالة وحصول تشنجات داخلية قد تنتهي بوقف التشغيل.

 

على صعيد آخر، في حال كان تسعير وتوزيع كلفة تشغيل هذا المولّد بأقل من الكلفة الحقيقية، كان أدّى ذلك إلى خلق فجوة في الميزانية والصندوق المخصّص لهذا المولّد. وبطريقة سريعة جداً، يقود هذا العجز إلى عدم القدرة على شراء كل الحاجات التشغيلية، من الوقود وقطاع غيار والصيانة، كما وكان أُجبر السكان على توقيف هذا المولّد، جرّاء العجز الفاضح في الميزانية وعدم القدرة على تأمين المواد التشغيلية.

 

لسوء الحظ، هذه هي القصة الحزينة التي يعيشها اللبنانيون في مؤسسة كهرباء لبنان التي أوصلت البلاد إلى الظلام الشامل. ومن هذا المثل البسيط عن المولّد الصغير في مبنى سكني، نستطيع أن نفهم ما حصل في مؤسسة الكهرباء، على صعيد الوطن والدولة، وكيف أدّى التوظيف العشوائي والسياسي والطائفي والمذهبي والخدماتي والمحسوبيات، إلى الإدارة المستحيلة، وكيف إنعدمت العدالة بتوزيع التكاليف على كل سكان لبنان، وحتى التسعير دون الكلفة المعتمدة، الذي كان يؤدي إلى عجز يفوق الملياري دولار سنوياً خلال سنوات عدة، وكيف هُدرت بهذه الطريقة أموال اللبنانيين والمودعين، بهذه الميزانية الكارثية من دون أي حوكمة وشفافية.

 

الحقيقة المرّة، أنّ ما وصلنا إليه هو أنّه من المستحيل إعادة إدارة كهرباء لبنان من هذه المؤسسة العامة، لأنّها لا تملك السيولة الضرورية لتمويل كلفتها التشغيلية، ولا نية حقيقية لإعادة هيكليتها الداخلية وتوزيع كلفتها بعدالة وشفافية.

ad

 

الحل الوحيد المتاح للبنان واللبنانيين، هو خصخصة هذا القطاع، وحتى الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي كنا نطالب بها منذ عقود. لكن حتى هذه الأفكار اليوم لا نستطيع تطبيقها، لأننا متخوفون من أنّ من دمّر وأطاح هذه المؤسسة العامة وهدر أموالها، وضرب إدارتها، حتى وصل تخمين ثمنها إلى أدنى المستويات، سيعمل جاهداً كي يشتريها بأموال بخسة ويُعيد تشغيلها بإحتكار.

 

أما فكرة أو مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإنّها أيضاً مستحيلة اليوم، لأنّه لا توجد شركات خاصة جاهزة لمشاركة قطاع عام فاشل وفاسد.

 

الحل الوحيد المتوافر اليوم هو عبر مشروع B.O.T. -BUILD OPERATE TRANSFER، أي البناء والتشغيل والتحويل، وهذا يعني أن تكون لدينا شركة خاصة، تقوم بإعادة تأهيل وبناء أسس ومعدات كهرباء لبنان، من خلال الإستثمارات المباشرة، ومن ثم تشغيلها وإدارتها لمدة 15 عاماً، ومن ثم تردها وتحول كل هذه الممتلكات والإستثمارات إلى الدولة التي تكون قد حافظت على ملكيتها ولم تهدرها بسعر بخس، على ان تتمّ في هذا الوقت إعادة هذا القطاع إلى الدولة، في وقت يكون فيه قد تمّ بناء دولة حقيقية، شفافة وواضحة.