الكهرباء مدخل الإصلاح المفقود 2/3
تتركز خطة الكهرباء بشكل أساسي على زيادة الإنتاج من خلال موردي الطاقة المستقلين “Independent Power Providers:IPP”. حيث عمدت وزارة الطاقة إلى إطلاق مناقصة لبناء المعامل وانتاج الطاقة، على أن تعود وتشتري الانتاج بأدنى سعر ممكن على فترة تحدد بـ 20 إلى 25 عاماً. وهنا بدأت المأساة.
الطريقة المثالية لانتاج الطاقة، “لُبننت”. فموافقة مجلس الوزراء على الخطة شابها الكثير من الشوائب في كل المراحل بدءاً من إطلاق المناقصات مروراً بالتلزيم ووصولاً إلى التنفيذ، هذا ان كان قد نُفِّذ شيء!
الخطيئة منذ البداية
تقضي الخطة بشكليها القديم والجديد باضافة معملين جديدين في كل من “سلعاتا” و”الزهراني” من أجل زيادة الانتاج والتغذية. البداية كانت مع رفض وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني تمرير دفتر الشروط على إدارة المناقصات، واستبدال الأخيرة بلجنة وزارية درست “الدفتر” ووافقت عليه، وبعد اقرارها في جلسة مجلس الوزراء، وتحديداً في آخر جلسة لحكومة سعد الحريري قبل الاخيرة، تم عرض النتيجة النهائية على هيئة المناقصات، ورفض الأخذ في ملاحظاتها. المفارقة هنا، ان اللجنة الوزارية تفتقر إلى الاهلية اللازمة والمعلومات التقنية والعملية التي تتعلق بإعداد الركن الأساسي في المناقصات والتي هي دفتر الشروط، وذلك على عكس إدارة المناقصات صاحبة الإختصاص. فعلى أساس دفتر الشروط المعد تتوسع المنافسة أو تضيق، وتزيد فرص الدولة في الحصول على أفضل العروض والأسعار. وعدا عن تفريغ إدارة المناقصات من الدور الطبيعي الذي يجب ان تلعبه، فقد جرى تكبيد الدولة مبالغ مالية هائلة كان بالإمكان تقليلها إلى حدودها الدنيا لو أجريت المناقصات بحسب الأصول المتعارف عليها.
لا هيئة ناظمة
أكثر من ذلك، فإن إعداد مناقصات معامل الانتاج وتلزيمها أتى في ظل غياب الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. فهذه الهيئة التي رفض تعيينها وزراء الطاقة المتعاقبون تعتبر اكثر من ضرورية لمتابعة آلية العمل على أساس طريقة IPP. حيث نص القانون 462 بشكل مفصّل ودقيق على دورها في الموافقة على دفتر الشروط والإشراف على المناقصة مع المجلس الأعلى للشراكة بين القطاعين العام والخاص وصولاً الى اصدار الترخيص النهائي. فمن أجل عدم المساس بامتيازات الوزير/ة، جرى تخطي إدارة المناقصات، تغييب الهيئة الناظمة وعدم إقامة أي اعتبار للمجلس الاعلى للشراكة، والدخول في مناقصات ستتحمل الدولة أعباءها الى عشرات السنوات. دفاتر الشروط
واحد من “الإبداعات في دفاتر الشروط تمثل في الإبتداء بالـ CLASSIFICATION ومن ثم PREQUALIFICATION أي التصنيف والتأهيل المسبق. ومنع تصنيف أي شركة عالمية تتقدم للمناقصة ما لم تكن مسجلة في لبنان أو لديها وكيل داخلي، لتقوم الوزارة من بعدها بدراسة مؤهلات الشركة لتحديد قدرتها على المشاركة. وبرأي المهندس محمد بصبوص فان هذا البند “ما هو إلا باب لإدخال طرف ثالث وسيط ما بين الدولة والشركة العالمية، دوره ما زال أحجية لم يستطع أحد تفسيرها”. هذه الغلطة لفتت اليها إدارة المناقصات من دون أي رد من الوزارة، وأدت إلى إحجام كبريات الشركات عن تقديم ملفاتها الى ادارة المناقصات. وبرأي بصبوص أن “اساس المناقصة ليس بالسعر النهائي المقدم. ذلك ان الأسعار تأتي بناء على دفتر شروط مفصل على قياس بعض الشركات ولا يسمح بدخول الشركات الجدية والكبيرة”.
بين الموقت والنهائي BONUS
تفرض الخطة على الشركة التي ترسو عليها المناقصة، تأمين الحل الموقت. على ان تأخذ الشركة علاوة Bonus إذا استطاعت تأمين حل موقت بسرعة قياسية. وهو ما يعني تفصيل العقد على اساس استمرار عمل البواخر التي يعتبر وجودها أسرع حل موقت ممكن تقديمه. وهنا يعتبر بصبوص ان “العلاوة كان من المفروض ان تعطى على أساس الحل النهائي وليس الموقت”. فلماذا إذاً لم توضع العلاوات على الحل النهائي؟ هل بهدف ستمرار الحل الموقت على حساب الحل النهائي؟ أسئلة تطرح نفسها بنفسها.
أما بدعة البدع فكانت بإجبار الفائز على تأمين معمل يعمل على TRY FUEL PLANT أي على ثلاثة انواع من الوقود (الغاز، والهافي فيول أويل والديزل ) وهو ما يرتب زيادة الكلفة بشكل كبير ويعتبر لزوم ما لا يلزم.
معمل سلعاتا
يتصدر معمل سلعاتا “الإشكالي” خطة الكهرباء منذ العام 2014، حيث استقدمت وزارة الطاقة آنذاك شركة “موت ماكدونالد” العالمية لإجراء دراسة فنية وتحديد أفضل المواقع لإقامة المعمل عليه. وبعد تقديم الدراسة ومن أجل اعداد دفتر الشروط عادت الوزارة واستقدمت فيختنر “Fichtner”، شركة الاستشارات العالمية الموضوع عليها حظر”Baning” من البنك الدولي بشبهة فساد في مشروع في الكونغو. “فختنر” حددت مكان المعمل في نقطة مصنفة محمية طبيعية، ويعتريها الكثير من المشاكل والإعتراضات من البلدية والأهالي، هذا فضلا عن الدعاوى القضائية المرفوعة من أصحاب العقارات القدامى والذين يطالبون باستردادها بعدما اشترتها شركة كهرباء لبنان ولم تشغلها لفترة طويلة من الزمن. وعليه لم يتم العمل بعد لا في سلعاتا ولا في الزهراني واستمرت البواخر. التغويز
في الوقت الذي لا يتعدى فيه عدد محطات التغويز الـ 24 محطة عالمياً، أقرت الخطة إنشاء 3 محطات في لبنان، واحدة في الزهراني وأخرى في البداوي والاخيرة في سلعاتا، مع العلم أن الأخيرة لا تبعد أكثر من 21 كلم عن جارتها في البداوي، ومن الممكن إيصال الغاز إلى معمل سلعاتا في حال إنشائه من محطة غاز البداوي براً، مما يخفف التكلفة.
فكلفة محطة التغويز سنوياً قد تصل إلى حدود 1.25 مليار دولار أميركي. الرجوع عن القرار والعمل بتوصية الشركة القطرية التي أقرت إنشاء محطة غاز واحدة في العام 2016 وبكلفة 12.5 مليار دولار على عشر سنوات أصبح مستحيلاً، خصوصاً بعدما قال وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل في مؤتمره الصحافي المشترك مع الوزيرة ندى البستاني أن “أي تلاعب بمناقصة التغويز لن نقبل به”، بما يعني الإصرار على المحطات الثلاث وتكبيد الخزينة المزيد من الأعباء.