الكهرباء مدخل الإصلاح المفقود 3/3
أتت كل خطط الكهرباء منذ العام 2010 مروراً بخطة العام 2017 ووصولاً الى العام 2019 على ذكر “الطاقة المتجددة”، إلا ان الصفة الجديدة للطاقة لم تنعكس تجدداً في طريقة الإدارة. فعادت وزارة الطاقة واستنسخت طريقة العمل نفسها التي طبقت في تلزيمات معامل دير عمار والزهراني.
“هوا” عكار… الأغلى
بعد أن رسى القرار على إنشاء محطة للطاقة المتجددة على الهواء في عكار بتوصية من دراسة كان “برنامج الامم المتحدة الإنمائي” UNDP قد اعدّها عن خريطة الهواء في لبنان، تقرر في العام 2017 أيام الوزير سيزار أبي خليل، المباشرة في تنفيذها على اساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وككل مشاريع الطاقة التي سبقتها نُفذ دفتر الشروط وأطلقت المناقصات في ظل استبعاد هيئة إدارة المناقصات وغياب الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة، مع إضافة ابتكار جديد هذه المرة تمثل في إعداد دفتر الشروط من قبل جمعية “المركز اللبناني لحفظ الطاقة LCEC”. فالأخير عبارة عن مبادرة من UNDP لا يملك أي صفة قانونية ويطرح اضطلاعه بالتخطيط إشكالية كبيرة في ما خص الإلتزام بالحوكمة واعتماد الشفافية.
المناقصة رست على ثلاث شركات لبناء 3 محطات بقدرة مجمّعة تصل الى حدود 270 ميغاوات وبكلفة 11.8 سنت كيلوات/ساعة. المفارقة أن الشركات الثلاث، المختلفة من حيث المبدأ، قدّمت السعر نفسه، والذي يشكل 2.5 مرة متوسط السعر العالمي الذي لا يتجاوز الـ 5 سنتات لمشاريع مماثلة من حيث المكان والطاقة الانتاجية وطريقة التلزيم.
بالإضافة إلى الاخطاء الجسيمة في عملية وضع دفتر الشروط وإطلاق المناقصات، فان ملف الطاقة المتجددة يفضح الخفة التي جرى التعامل بها مع الطاقة المتجددة، وسوء فهم كبير لكيفية تطورها العالمي، وعدم الاخذ بعين الإعتبار تجارب الدول التي سبقتنا بأشواط، ومنها الاردن على سبيل المثال.
وبحسب أحد الخبراء المتخصصين في مجال الطاقة، فانه “من المعيب بدايةً تحميل الاجيال القادمة لمدة 20 عاماً كلفة هائلة ثمناً للطاقة على الهواء”، ويضيف: “في جميع الاحوال لا يمكن للطاقة المتجددة، سواء كانت على الهواء او الشمس ان تتطور وتصبح مجدية ما لم يعتمد مفهوم “تبادل الطاقة”، وتوفير البنيتين التحية والفوقية من أجل السماح للمشتركين باعادة بيع فائض الانتاج من الطاقة على الشبكة، كما يجري في الاردن”.
في الوقت الذي تعتبر فيه مزارع الطاقة الكبيرة حلاً استراتيجياً بعيد المدى، فانه في الحالة اللبنانية يجمع بعض الخبراء على ضرورة افتعال اختراق سريع يتمثل في تكثيف استعمال الطاقة الشمسية، على الصعيد الفردي أولاً. فعدد الأيام المشمسة في لبنان ونسبة الإشعاع المرتفعة وتكوّن معظم المنازل ابتداء من ارتفاع 300 متر وما فوق من طابقين أو ثلاثة.. عوامل كلها تسمح بنشر الالواح الشمسية لتوليد الطاقة للإستعمال الشخصي. كما انه من الممكن ان نبني ما يعرف بـ”الشبكات المصغرة” التي تعتبر خليطاً بين المولدات التقليدية بقدرة تتراوح بين 1 و 10 ميغاوات، ومصادر الطاقة المتجددة من الهواء والشمس من أجل توفير الكهرباء.
خطة الكهرباء لم تلحظ الإعتماد الفردي المتزايد على الطاقة المتجددة، وما يمكن ان يسببه من انعكاسات سلبية على مشاريع الـ BOT الضخمة لانتاج الطاقة التي يُخطط لها. فالإكتفاء الذاتي من الطاقة سوف يقلل الطلب على “كهرباء الدولة” التي تشتريها من المعامل، وهو ما يخلق في ما بعد فائضاً في الطاقة تكون الدولة مضطرة إلى شرائه ودفع ثمه بغض النظر ان كانت ستستعمله أم لا. هذا الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه الأردن، لم تأخذه خطة الكهرباء في لبنان بعين الإعتبار. وذلك لـ تيقنها ربما من فشل كل خطط الانتاج والتوزيع، وعدم القدرة على الوصول الى فائض في الانتاج، ولو بعد عشرات السنوات.