هل يشكّل تراجع أسعار النفط عالمياً صفارة انطلاق لبدء إصلاح قطاع الكهرباء، خصوصا وأنّه لطالما كان رفع تعرفة الكهرباء العثرة الاساسية امام الشروع في أي حلّ لهذه الأزمة. فهل اختلطت الاوراق اليوم وباتت عملية الإصلاح اسهل؟
سجّلت اسعار النفط العالمية اعتباراً من يوم الاحد الماضي تراجعات دراماتيكية وصل خلالها سعر البرميل الى 31 دولاراً، قبل ان يعاود الارتفاع الى قرابة 36 دولاراً بعدما كان 64 دولاراً في الاشهر الماضية. ولهذه التراجعات تأثير ايجابي مباشر على لبنان، من ناحية تراجع فاتورة استيراد النفط، خصوصاً وانّها باتت تُشترى بدعم من المركزي، كما على اسعار المشتقات النفطية وحاجة مؤسسة كهرباء لبنان للفيول. وفيما يُتوقع استمرار التراجع الشهر المقبل، مع عزم السعودية رفع القدرة الإنتاجية بمليون برميل يومياً، يُطرح السؤال عن كيفية تأثر الفاتورة النفطية على اللبنانيين؟ وماذا لو اقترب سعر النفط من سعر التعرفة الموضوعة على اساس سعر البرميل 20 دولاراً؟ هل تزيد ساعات الكهرباء؟ وبالتالي هل يمكن ان يبدأ الإصلاح في الكهرباء من هذه الزاوية؟
أكّدت مصادر في «كهرباء لبنان»، انّ تراجع اسعار النفط عالميا يريح المؤسسة لناحية رفع ساعات التغذية الى حد ما، كما انّ السلفة المقدّمة لها من موازنة 2020 باتت تكفيها أكثر، لكن لا يمكن البناء على الاسعار المتراجعة حالياً لرسم مسار العمل السنوي، إذ انّ هذه الاسعار قد ترتفع مجدداً، لذا لا يمكن اعتباره انجازاً.
تابعت المصادر: انّ المؤسسة ستراقب أسعار النفط أقلّه لمدة اسبوع لتبني على الشيء مقتضاه من ناحية إعادة جدولة شراء الفيول، لافتاً الى انّه منذ مطلع شهر آذار بدأت المؤسسة باستعمال السلفة المخصصة لها من العام 2020 وهي كانت لا تزال تعمل في الاموال المرصودة لها من العام 2019، وذلك كله نتيجة التدابير الإحترازية التي تتخذها لاستخدام السلفات لأطول فترة ممكنة.
وأوضحت مصادر أخرى في «الكهرباء»، انّ الميزانية الموضوعة لمؤسسة كهرباء لبنان لهذا العام اتت على اساس سعر برميل النفط 65 دولاراً، ومع السلفة المرصودة في الموازنة للمؤسسة وهي 1500 مليار ليرة كان من المتوقع ان تتراوح التغذية على مدار السنة ما بين 8 الى 9 ساعات في المناطق. أما اليوم ومع تراجع سعر برميل النفط عالمياً الى حوالى 35 دولاراً، تتغيّر الجدولة لترتفع ساعات التغذية الى حوالى 14 ساعة في المناطق. وساعات التغذية هذه مرشحة الى الارتفاع في ظل إقفال عدد كبير من المؤسسات والشركات الفنادق والمطاعم والملاهي نتيجة أزمة كورونا، الى حوالى 15 ساعة.
وما إذا كان الوقت مناسباً لرفع تعرفة الكهرباء، قالت: انّ فاتورة المواطن في الوقت الراهن ستبقى على ما هي عليه ولن تتأثر بتراجع سعر برميل النفط. لكن المؤسسة لطالما نادت برفع التعرفة على الشطور العليا وليس الشطور الدنيا، ويبدو انّه بند من بنود الإصلاحات المطروحة في الخطة التي تعدّها الحكومة. وأكّدت المصادر، انّه في حال ارادت الحكومة اليوم رفع التعرفة على الشطور الدنيا، في ظل سعر برميل النفط الحالي، فإنّ الفاتورة سترتفع بنسبة بسيطة جداً.
مارديني
من جهته، لفت الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، الى انّ الحكومة رصدت في موازنة العام 2020 نحو 1500 مليار ليرة لشراء محروقات لمؤسسة كهرباء لبنان، اي اقل من حاجتها سنوياً، بما يعني انّ المؤسسة ستتجّه نحو رفع ساعات التقنين. اما اليوم ومع تراجع سعر برميل النفط عالمياً، من المتوقع ان يتيح المبلغ المرصود ساعات تغذية اكبر.
إزاء ذلك، اعتبر مارديني انّه الوقت المناسب لتغيير تعرفة الكهرباء، والتي كانت موضوعة على اساس سعر برميل النفط 20 دولاراً، بعدما تقلّص الفارق بينها وبين سعر برميل النفط الحقيقي.
اضاف: «عندما كان سعر برميل النفط 100 دولار كان الفارق كبيراً والعجز اكبر، اما اليوم مع تراجع سعر النفط بات الوقت مناسباً للانتقال من تسعيرة ثابتة الى تسعيرة متحركة (indice variable) تزيد مع ارتفاع سعر البرميل وتنخفض مع تراجعه، بهذه الطريقة نبدأ بتغطية خسائر الكهرباء، خصوصاً اننا في وسط هذه الأزمة الاقتصادية لم يعد ممكناً تغطية خسائر المؤسسة».
البراكس
بدوره، اشار الخبير النفطي جورج البراكس، انّ اسعار النفط تتجّه الى مزيد من التراجع، ناهيك عن تراجع الطلب عالمياً نتيجة الجمود الاقتصادي الذي سببه فيروس كورونا. وقال: «كان يمكن ان يكون لهذا التراجع تأثير ايجابي أكثر على لبنان لولا اننا نعاني من ازمة انخفاض الليرة، وغياب اي سقف لارتفاع الدولار». لكنه دعا الحكومة الى استغلال هذا التراجع من اجل إيجاد حلول لأزمة اصحاب محطات المحروقات. لكن على العكس فقد عاد اصحاب المحطات للمعاناة نفسها، بحيث وصلت الخسائر بكل سعر صفيحة بنزين الى حدود 2400 ليرة، مع لجوء شركات مستوردي المحروقات الى تحويل جدول الاسعار على 1507.5 ليرات مقابل الدولار، وبيعها لمحطات المحروقات وفق سعر الدولار في السوق السوداء والذي وصل الى 2700 ليرة.
وعن إمكانية رفع نسبة توفير الدولار التي طلبها مصرف لبنان عند فتح اعتماده لشراء المحروقات الى أكثر من 15%، قال البراكس:»انّ هذه الخطوة متوقعة خصوصاً وانّ احتياطات مصرف لبنان آخذة بالتراجع. وكلما طالت الأزمة كلما قلّت تغطيته للاعتمادات».