لم يُبدّل السجال المفاجئ حول خصخصة الكهرباء ولا طرفاه ولا التهديدات التي أطلقت في عدم التصويت على الموازنة في حال عدم السير به، كما لم تبدل لفلفةُ السجال «بالتي هي أحسن»، وضعَ إنتاج الطاقة الكهربائية او طريقة نظر الافرقاء الى هذا القطاع وكيفية تطويره.
إذ إنه وكعادة كلّ سجال بين الساسة والقوى التي تتحكّم بمصيرنا في وطن الارز فقد خرج الحديث من الشق القانوني والإداري الى طروحات إرتجالية فيها روائح من الاستفادة ومناكفات شخصية وسطحية لا تقدم أو تؤخر… علماً بأنه كانت تكفي العودة الى «الكتاب» لمعرفة أين تكمن الحلول ولوضع خريطة طريق لخصخصة هكذا قطاع حيوي واستراتيجي يهمّ جميع اللبنانيين فيما لو أقرّينا بضرورة اتخاذ مثل هذا الخيار، مع ما يعني من قضاء ممنهج لدور الدولة الراعية…
والكتاب يلزمنا للدخول في عالم الخصخصة، تطبيق أحكام قانون تنظيم قطاع الكهرباء الصادر في العام 2002. هذا القانون المسكين النافذ وغير المنفّذ، كون الوزارات المتلاحقة لم تنفّذ أيّ بند من بنوده خصوصاً تشكيل «هيئة تنظيم قطاع الكهرباء» التي كان عليها أن تتولّى تنظيم ورقابة شؤون الكهرباء، إذ بدل إصدار مرسوم تسمية اعضاء الهيئة تمّ تعديل المادة السابعة من القانون لثلاث مرات متتالية، الأولى بالقانون
775/ 2006، والثانية بالقانون 288/ 2014، والثالثة بالقانون الرقم 54/2015، وذلك بهدف إعطاء صلاحية الهيئة الى مجلس الوزراء بصورة موقتة لحين تعيين اعضاء الهيئة واضطلاعها بمهامها.
أي بمعنى آخر، فإنّ القوى السياسية أقدمت على تعديل قانون نافذ لثلاث مرات في مجلس النواب ولم تعمل على تسمية خمسة اعضاء لهيئة بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء مع ما يحمل ذلك من اسئلة وشبهات. كما لم يتم العمل على إنشاء شركات يمكن تخصيصها كما نصّ عليه القانون أعلاه.
اضافة الى كلّ ذلك، فإنّ القانون البرنامج المعجّل لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية الصادر في العام 2011 تحت الرقم 181 والذي سمح بصرف مبلغ الف وسبعمئة واثنين وسبعين مليار ليرة لبنانية لتحديث وتطوير القطاع قد نصّ صراحة على أن تشكّل لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزراء: الصحة العامة، المالية، وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، الشؤون الاجتماعية، الطاقة والمياه، العمل، العدل، الاقتصاد والتجارة، للنظر في التعديلات على قانون تنظيم قطاع الكهرباء خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، والتزام القانون وتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء خلال هذه المهلة بناءً على اقتراح وزير الطاقة والـمياه، كما وتعيين مجلس ادارة لمؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة شهرين من ذلك التاريخ وهذا ما لم يحصل لتاريخه… ما يؤكد نيّة الفرقاء بترك هذا القطاع يغرق من دون أيّ مساعدة.
والدليل على ذلك فإنّ تعرفة بيع الطاقة للعموم ما زالت هي ذاتها منذ العام 1994 وهي أقلّ بكثير من كلفة انتاجها وكان الساسة الذين يعملون بالسر والعلن على اضمحلال هذا القطاع يعطلون أيّ محاولة لزيادة التعرفة عبر تدخّلهم المستمرّ وغير المبرّر في عمل الادارة، إضافة الى ذلك يعاني القطاع الخسائر بسبب الهدرين الفنّي والمقدر بـ 15 في المئة من الطاقة المنتجة وغير الفنّي والمقدّر من مؤسسة كهرباء لبنان بنحو 23,5 في المئة، وهو في الواقع أكثر من ذلك بكثير بسبب التعديات المتزايدة على الشبكة وعدم قدرة المؤسسة على قمعها من دون ارادة حقيقية لوقف هذا التعدي، ويتجلّى ذلك بدعم حاسم من القوى الأمنية وفي مختلف المناطق اللبنانية.
اذاً، فإنّ المشرّع الذي أقرّ مبدأ الخصخصة للكهرباء وضع خريطة طريق قانونية وفنّية لا يمكن القفز عنها… وفي هذا المجال من واجب المستعجلين لإقرار الخصخصة او الشراكة مع القطاع الخاص أن يراجعوا تجربة شركات مقدّمي الخدمات الذين ألقيت على عاتقهم اعمال الجباية ومدى نجاح او فشل هذه الخطوة، علماً بأنّ اسئلة استفهام تدور حول اسس تجديد عقود هذه الشركات.
من هنا، فإنه وفي حال أقرّينا بضرورة الخصخصة، فإنّ خريطة الطريق واضحة وتمرّ حتماً بتطبيق كلّ مواد القانون الرقم 462 (قانون تنظيم قطاع الكهرباء) لا بالقفز فوقه الى أشباه قوانين طبخت على عجل… إضافة الى تفعيل دور مؤسسة كهرباء لبنان عبر استكمال تعيين مجلس إدارتها… ووضع خطة تقنية (تركيب العدادات الذكية) وأمنيّة للقضاء على سرقة الطاقة… وكلّ هذه الامور تتطلّب قيام دولة قوية وإدارات فاعلة وهي الشروط الأساسية لقيام خصخصة مفيدة تحمي الخزينة العامة ولا تسرق المواطنين.