صندوق النقد لن يقبل تعيين “هيئة ناظمة” منزوعة الصلاحيات
نحن في صلب الانهيار. واقع لم يعد بالامكان تجميله أو تجاوزه أو الاختباء منه خلف الإصبع. المركب يغرق بمن فيه، واحتمالات النجاة تكاد تكون مستحيلة. جلّ ما يمكن القيام به هو التخفيف من قوة الارتطام، أو الانفجار الاجتماعي. وهذه هي الفرصة الوحيدة التي تمنحها القوى السياسية للحكومة، كما تمنحها الأخيرة لنفسها قبل ان يلفظ البركان حممه الحارقة.
هكذا قررت الحكومة وبدعم من أولياء أمرها الانطلاق من جديد بورشتها الاصلاحية، بعدما تحركت الرمال تحت أقدام القوى السياسية مهددة بابتلاعها دفعة واحدة اذا ما سُحب صمام أمان الاستقرار الاجتماعي والأمني. هي طبعاً المحاولة الأخيرة أمام المجتمع الدولي، وتحديداً صندوق النقد الدولي لتثبت الحكومة نواياها الاصلاحية وبأنّها جادة في قيادة هذا المسار علّه يصل بالبلاد إلى برّ الدعم المالي. ولا بدّ من التمسك بقشة الكهرباء كي تنجو من الغرق… وإلا ستكون هي نفسها القشة التي ستقصم ظهر الحكومة حيث لم يعد من مكان للرقص على الحبال!
بناءً عليه، وضعت الحكومة نصب عينيها رزمة أهداف عليها تحقيقها كي تبرهن أنّها ستقرن أقوالها بالأفعال وتعيد شيئاً من صدقية السلطة اللبنانية، المفقودة بالكامل. وتتناول هذه الأهداف على سبيل المثال لا الحصر، كسر “تابو” ملف الكهرباء من خلال تعيين مجلس ادارة والبحث جدياً في مصير الهيئة الناظمة بعد سنوات من التعثر، كما تعيين هيئات ناظمة في كل من قطاعي الاتصالات والطيران، وإعادة تفعيل الهيكلية الادارية من خلال، مثلاً، ترفيع الموظفين من الفئة الثالثة الى الفئة الثانية حيث طلب من كل الوزراء اعداد جداول بكل مستحقي هذا الترفيع، لإدراجها لاحقاً على جدول أعمال مجلس الوزراء… وغيرها من الإجراءات المرحّلة منذ سنوات.
ومع ذلك، يبقى ملف الكهرباء هو عقدة العقد. مبدئياً، سيرفع وزير الطاقة ريمون غجر إلى مجلس الوزراء قائمة ترشيحات مؤلفة من 18 اسماً لاختيار ستة من بينهم لتعيينهم أعضاء في مجلس ادارة الكهرباء. فيما لا يزال مصير الهيئة الناظمة معلقاً على حبل الخلاف حول الصلاحيات التي ستناط بها.
بالتفصيل، يتبيّن أنّ وزير الطاقة يحاول حماية نفسه من التصويب من خلال اعتماد آلية تعيين وضعها بنفسه لئلا يتهم بأنه تجاوز القانون الذي لا يزال في أدراج رئاسة الجمهورية، علماً بأنّ المطلعين يشيرون إلى أنّ تفاهماً سياسياً رعى ولادة مجلس الادارة الجديد وبالتالي لا خشية من أي عراقيل ناجمة عن خلافات قد تحول دون ولادته. ولكن ماذا عن رئاسة مجلس الإدارة؟
تقول مصادر وزارية إنّ الاتجاه هو لتعيين العضو الماروني الذي سيتم اختياره من بين الثلاثة المرفوعين، رئيساً لمجلس الادارة خلفاً لكمال حايك. ولكن ثمة وجهة نظر أخرى متداولة بين المعنيين بهذا الملف.
يلفت هؤلاء إلى أنّ حايك الذي يشغل رئاسة مجلس الادارة والمديرية العامة لمؤسسة كهرباء لبنان (انتهت ولايته كرئيس مجلس ادارة في العام 2017 التي جددت له لثلاث سنوات في العام 2014 دون بقية الأعضاء)، لا يزال يشغل حتى الآن رئاسة مجلس الادارة ومدير عام المؤسسة. ولذا يتساءل هؤلاء: هل سيكون كمال حايك “أرنب” التعيينات في جلسة مجلس الوزراء فيتم تعيينه رئيساً لمجلس الادارة من جديد، خصوصاً وأنّ القانون ينص على تعيين سبعة أعضاء لمجلس الادارة ليتم اختيار أحدهم رئيساً لمجلس الادارة، فيما القائمة المرفوعة لمجلس الوزراء تضمّ ستة أعضاء فقط.
ومع ذلك، لا يزال الخلاف حول الهيئة الناظمة هو المفتاح الاصلاحي في قطاع الكهرباء. يقول أحد مواكبي هذا الملف إنّ العمل على افراغ الهيئة من صلاحياتها هو بمثابة تذاكِِ مدمّر لن يؤدي إلى أي مكان لأنّ صندوق النقد والدول الغربية لن تقبل بهذا الالتفاف على دور الهيئة، من خلال تحويلها إلى هيئة استشارية منزوعة الصلاحيات. ويلفت إلى أنّ التوجه هو لتعيين أعضاء الهيئة بالتزامن مع ارسال التعديلات على القانون 181 إلى مجلس النواب، الذي يبقى صاحب الصلاحية في تقرير مصير هذه التعديلات، لكن ربط الهيئة بهذه التعديلات هو ضرب جنون سيزيد غضب المجتمع الدولي على لبنان.