IMLebanon

لجنة الأشغال تفتح “مغارة” الكهرباء والفيول… وتغرق فيها!

 

بعد تأجيل لمرتين متتاليتين، قررت لجنة الأشغال والطاقة فتح ملف الفيول والكهرباء بحضور وزير الطاقة في الحكومة المستقيلة ريمون غجر ورئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك ورئيس إدارة المناقصات جان العلية، في محاولة منها لوضع يدها على “مغارة الألغاز والاتهامات”.

 

كثيرة هي الأسباب التي استدعت عقد مثل هذه الجلسة التي انتهت إلى تسمية لجنة لتقصّي الحقائق، لتنضمّ إلى رتل اللجان المؤلّفة، والتي يُخشى أن تغرق في متاهة الاجتماعات والمستندات والمستندات المضادة، فتُنهي مهمتها كما ستبدأها، على بيانات إدانة لا تقدّم ولا تؤخر، فيما تذهب المناقصة المنتظرة أدراج الرياح.

 

ومع ذلك، كانت لجلسة يوم أمس فوائدها. فقد وضعت وزارة الطاقة وجهاً لوجه أمام إدارة المناقصات بعد سجالهما العلني حول دفتر شروط شراء الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، في مسعى خجول لمعرفة “الحق على مين ومع مين” في دفتر كان يفترض انهاؤه قبل انتهاء مدة العقدين الموقّعين مع “سوناطراك” و”كي بي سي”… وإذ به يتحوّل إلى مادة تقاذف للمراسلات بين الإدارتين المعنيتين.

 

لكن الاجتماع الذي أريد له أن يكون أشبه بـ”جلسة محاكمة”، بدا مضبوطاً تحت سقف الدبلوماسية والايجابية اللتين تحلى بهما وزير الطاقة (تلقى ثناء من بعض النواب على مناقبيته وأخلاقه في التعاطي)، والذي لم يتردد في الإشارة إلى أنّ الدفتر الموضوع لحظ مواصفات عالية في سبيل ضمان استلام الفيول المطلوب، لافتاً إلى أنّ الوزارة قصدت إدارة المناقصات مع انّه كان بإمكانها أن تجري المناقصة بنفسها من دون أن يذكر الجهة القضائية التي أفتت له بهذا الباب، فيما تولى جان العلية شرح وجهة نظر إدارة المناقصات من الدفتر قبل الإضاءة على الثغرات التي عابت مراسلات وزارة الطاقة.

 

أمّا مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان فاتخذ من الحياد الايجابي موقعاً له، مشيراً إلى أن المؤسسة لم تتدخل في مسألة المواصفات التي تمّ وضعها وفقاً لرغبة المصنّع، معترفاً أنّ ثمة أخطاء وقعت فيها المؤسسة وقد تمّ تصحيحها في إدارة المناقصات من خلال خبراء الاتحاد الأوروبي، نافياً أن يكون قد اطلع على الدفتر مؤكداً بأنّه لا مشكلة لديه بأي خيار تسير فيه إدارة المناقصات التي يثق بها.

 

أما العلية فقد توسع في مقاربته وخرج بعض الشيء عن السياق ليتطرق إلى قضية البواخر متعمّداً إضافة توصيف “العارض الوحيد”، كما جاء في أكثر من محضر وفق تأكيده، لينتقل إلى دفتر الشروط مشدداً على أنّ إدارة المناقصات تحرص على فتح باب المنافسة أمام الجميع مع ضوابط على عملية التسليم، مؤكداً أنّ لا مانع لديه من تحميل الدفتر مواصفات عالية ترفع المنافسة ولكن شرط ألا تتحول إلى باب للعمولات، “كما علّمتنا التجارب السابقة وها هو القرار الظني في قضية الفيول المغشوش يأتي على ذكرها”، مؤكداً أنّ المشكلة هي مراقبة الاستلام.

 

وشدد على أنّ الضوابط لا تقلّ أهمية عن المواصفات كونها تكفل سلامة التسليم مشيراً إلى أنّ العقد المنوي توقيعه مع العراق، اذا ما نجحت المفاوضات، قد يقع في الأفخاخ ذاتها التي وقع فيها عقد “سوناطراك” اذا لم تحصل رقابة صارمة تمنع السمسرات. ولفت إلى أنّ شوائب عقد سوناطراك تجلّت في سوء تطبيقه وليس بمشاركة شركات محلية، مؤكداً أنّ إدارة المناقصات ترفض حصر المنافسة بشركات عالمية وإلا “فليخرج نصّ صريح بذلك من مجلس الوزراء أو من لجنة الأشغال العامة يجيز هذه الحصرية كي تأخذ بها الإدارة. أمّا غير ذلك، فسلامة العقد تكون بالضوابط والرقابة”.

 

وقد لاقاه وزير الطاقة بقوله إنّه لا يعارض مشاركة عارضين محليين اذا توفرت لديهم الشروط المطلوبة. لكن العالمين في هذا المجال يعرفون جيداً أنّ سرّ دفتر الشروط يكمن في المواصفات.

 

يعلّق أحد النواب على الجلسة وأهدافها بالقول إنّ علامات الشكوك تحيط بملف الكهرباء والفيول ولذا كان من الضروري فتح هذه المغارة، خصوصاً وأنّ السلطة القضائية عادة ما تصطدم بمصالح القوى السياسية ونفوذها فتأتي على صغار الموظفين فقط. كان لا بدّ بنظره من الإجابة على أسئلة سبق لإدارة المناقصات أن أثارت بعضها، وهي: لماذا انتهت مناقصة البواخر على عارض واحد؟ لماذا الإصرار على المواصفات العالية في الفيول في الوقت الذي يُستخدم فيه أسوأ الأنواع في معامل انتاج الكهرباء؟ كيف صرفت الملايين على اصلاح المعامل ولماذا؟ أين أصبحت قضية الفيول المغشوش؟ ما هي نوعية الفيول الذي كان يخرج من الجزائر وأي فيول كان يصلنا؟

 

على هذا الأساس تمّ تشكيل لجنة تقصي حقائق تضمّ رئيس لجنة الأشغال نزيه نجم رئيساً، وكلّاً من النواب: حكمت ديب، جهاد الصمد، جوزيف اسحاق، حسين الحاج حسن، فريد هيكل الخازن، سيزار أبي خليل، فيصل الصايغ، محمد الحجار ومحمد خواجة. ويفترض أن تبدأ عملها مطلع العام المقبل لتحدد أهدافها وخريطة طريقها.

 

في الخلاصة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجلسة ساهمت في وضع اللجنة يدها على الملف حتى لو لم تصل إلى نهايات واضحة وحاسمة، لكنها بالنتيجة نزعت “حق الحصرية” من يد وزارة الطاقة.

 

ولكن في المقابل، غرقت الجلسة “أول دخولها” في متاهة الأخذ والرد، فلم تحسم موقفها من الخلاف الحاصل حول دفتر الشروط بين الوزارة وإدارة المناقصات، أقله في اتهامات العرقلة واطلاق المناقصة، ولا من الجهة المخولة اجراء المناقصة… فهل ستتولى لجنة تقصي الحقائق حسم هذه الالتباسات؟ صعب جداً.