صار الحديث عن العتمة يومياً. مع كل أزمة يحضر شبح العتمة مجدداً. وهذه المرة كان الموعد مع نفاد الأموال المخصصة لشراء الفيول. الوزير ريمون غجر يسعى منذ أسبوع إلى تأمين التوافق السياسي على إقرار قانون يسمح بإعطاء «كهرباء لبنان» سلفة خزينة مخصصة لشراء المحروقات. حتى اليوم لم تُنجز المهمة. والمؤسسة تشير إلى أن سلفة العام الماضي تكفي حتى نهاية آذار. بعد ذلك، لن يكون بالإمكان شراء الفيول إذا لم تقر السلفة. لا أحد يملك حلاً بديلاً، ولا أحد يمكنه أن يتحمّل مسؤولية العتمة، ولذلك فإن المرجّح أن الوقت وحده سيسمح بتخطّي موانع إقرار السلفة
تنص المادة 13 من مشروع موازنة 2021 على إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 1500 مليار (حد أقصى) مخصصة لتسديد عجز شراء المحروقات وتسديد فوائد وأقساط القروض لصالح المؤسسة. لكن المشروع لن يبصر النور في الموعد الدستوري، أي قبل نهاية 2020، أو قبل نهاية شهر كانون الثاني، في حال لم يكن مجلس النواب قد أنهى مناقشتها. المهلتان تم تخطيهما، وبالرغم من أن رئاسة مجلس الوزراء أحالت المشروع، المعدّ من قبل وزارة المالية، إلى الوزراء للاطّلاع عليه وإبداء ملاحظاتهم، إلا أن أغلب المطّلعين على المسار القانوني والسياسي، يستبعد أن يكون المجلس النيابي سيقر القانون، لأسباب عديدة، ليس أبرزها تفضيل معظم الكتل انتظار الحكومة الجديدة لإعداد موازنة تتلاءم مع برنامجها.
هذا كلام في السياسة لا في الدستور، لكن النتيجة واحدة: لا موازنة عامة في الأفق. وهذا يعني أن كهرباء لبنان لن تحصل على سلفة لشراء الفيول قريباً. تلك مشكلة لم يُعالجها قانون الصرف والجباية على القاعدة الاثني عشرية، الذي أقرّه المجلس النيابي الشهر الماضي. فالسلف غير مشمولة بالقاعدة الاثني عشرية، وبالتالي لا بد من إقرارها مجدداً. لكن لأن الموازنة في خبر كان، قصد وزير الطاقة ريمون غجر عين التينة في 17 شباط الحالي لبحث الأمر مع الرئيس نبيه بري. الخبر الرسمي يقول إنه تم التباحث في الاوضاع العامة وشؤون متصلة بقطاع الكهرباء وعمل وزارة الطاقة. تفصيلاً كانت الغاية من الزيارة واحدة: الطلب من رئيس المجلس النيابي الموافقة على تمرير قانون يجيز إعطاء سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار ليرة، لكي تتمكن من الاستمرار في شراء الفيول لزوم معامل الإنتاج. لكن الرئيس نبيه بري كان واضحاً ومباشراً في رفض الطلب، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يذهب إلى إقرار 1500 مليار ليرة، فيما البلد في حالة إفلاس، والحكومة لا تزال عاجزة عن حسم مسألة ترشيد الدعم. كذلك أحال غجر إلى رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن مفتاح الحل هو تأليف الحكومة. وأكثر من ذلك، بعدما سأل عن تاريخ نفاد السلفة، قال بري: من هنا حتى نيسان، إذا لم تؤلّف الحكومة، فلن يكون هنالك لا بلد ولا كهرباء. وبالفعل، لم يتأخر غجر في زيارة الرئيس ميشال عون (19 شباط الحالي) لبحث المسألة معه وإعلامه بنتيجة زيارته لبري. وهذه المرة كان الخبر الموزّع عبر الوكالة الوطنية أوضح، فأشار إلى أنه «تم خلال اللقاء البحث في سبل تأمين استمرار إنتاج معامل الكهرباء للتيار خلال الفترة المقبلة»، إضافة إلى إطلاعه على «الاجراءات التي اتخذتها مؤسسة كهرباء لبنان لإعادة التيار الكهربائي تدريجياً الى المناطق اللبنانية بعد العطل الشامل الذي أحدثته العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان».
لم ينته البحث بالمسألة بعد. لكن تحرك غجر كان مرتبطاً بالخشية من احتمال عدم القدرة على شراء الفيول، إن لم تقرّ السلفة الجديدة. فبحسب كهرباء لبنان، السلفة التي حصلت عليها في موازنة العام 2020 لا تزال تُستعمل حتى اليوم؛ إذ إن الانخفاض الشديد في أسعار النفط أسهم في عدم صرف كل السلفة في العام الماضي، أضف أن المؤسسة سبق أن أعدّت برنامج تقنين، يهدف إلى تمديد أجل السلفة قدر المستطاع. وبالفعل، فإن الفوائض أسهمت في تمويل شراء الفيول في كانون الثاني وشباط، كما يُتوقع أن تكفي حتى نهاية آذار، إذا لم تُسجّل أسعار النفط العالمية المزيد من الارتفاع. ماذا بعد ذلك؟ تقنياً، إن لم يُقرّ المجلس النيابي سلفة جديدة، فإن المؤسسة ستكون مضطرة إلى إطفاء المعامل، خاصة أن الوزارة لم تعد مرتبطة بأي عقد طويل الأمد، قد يسمح بتأخير بعض الدفعات، بل هي وفق آلية Spot Cargo تدفع مباشرة ثمن كل شحنة.
هل ستصل الأمور إلى هذا الحد فعلاً؟ تؤكد مصادر معنية أن أحداً لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية العتمة الشاملة، لكنها مع ذلك تشير إلى أن الأمور لن تكون يسيرة. وهي ترى أنه طالما أن تأليف الحكومة بعيد المنال، فإن المخرج سيكون مثلّث الأضلاع، أي يفترض اتفاق الرؤساء الثلاثة على السير به، على أن يكون الإخراج تفصيلاً بعد ذلك (على الأرجح عبر اقتراح قانون يقدّمه نواب تكتل لبنان القوي). لكن المصادر نفسها تتوقع أن لا ينجز هذا الاتفاق إلا في اللحظات الأخيرة.
غجر لم يعدّل «اتفاق الفيول» مع العراق
أرسل وزير الطاقة ريمون غجر، أمس، ملاحظاته على مسودة الاتفاق التجاري المرسلة من العراق، والتي تتعلق بتزويد لبنان بـ500 ألف طن من الفيول أويل الثقيل، مقابل أدوية وسلع لبنانية. وجاءت ملاحظات غجر طفيفة من دون أي تغيير أو إضافة في فحوى الاتفاق، سوى ما تم التفاهم عليه مع الجانب العراقي سابقاً. ويفترض أن تسلك المسودة الأخيرة طريق العودة عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الى بغداد، ليتم بعدها تحديد موعد لقاء بين رئيسي الحكومتين اللبنانية والعراقية، لتوقيع الاتفاق. لكن التوقيع على الاتفاقية هو توقيع أوليّ يليه عمل وزاري لبناني لتحديد تفاصيل الأدوية والسلع والخدمات التي يمكن مبادلتها، سواء زراعياً أم صناعياً أم صحياً أم سياحياً أم في مجال البناء. بعدها يصار الى عرض المسودة على مجلس الوزراء اللبناني لنيل موافقته ثم موافقة العراق، على أن السبيل الأخير يكون بإرسال هذا الاتفاق كمشروع قانون الى مجلس النواب للتصديق عليه.