IMLebanon

سرّ الهدر الكهربائي في لبنان والعراق

 

مليار دولار كان مطلوباً للمرحومة كهرباء لبنان قبل أيام. المشروع طرح على “سيد نفسه” رغم علمه كسيِّد ضليع في التاريخ والاقتصاد والمال، انه مجرد هدرٍ جديد سيضاف إلى الخسارة التي بلغت ما يزيد عن أربعين ملياراً من الدولارات صرفت على تيارٍ لم يستفد منه مواطن.

 

لم تزبط مع طالبي المليار، فالمبلغ لم يُقَرّ كاملاً، لكن ما زبَطَ هو إقرار سيد نفسه للمبدأ نفسه. صحيح أنه مانَعَ، والعصر عصر ممانعة، في إقرار المليار، لكنه سار في المئتي مليون… والمهم المبدأ.

 

انه لأمر غريب فعلاً. الجميع يتحدث عن الهدر في الكهرباء. عن السرقة والرشاوى وعن ضرورة الإصلاح والتغيير في القطاع. ثم وبقدرة قادر ينخرطون في المسار إياه فيراكمون العجز والعتمة بحيث اضطر مبنى إدارة الكهرباء للاشتراك في أقرب مولد لإنارة مكاتبه.

 

بلغ عجز الكهرباء في لبنان برعاية وزراء محسوبين منذ “الرعاية” السورية على خط الممانعة، أكثر من أربعين مليار دولار. وبدل المعامل جيء ببواخر كهربائية في صفقة انتشرت روائح صفقاتها على طول الساحل. طردت سيمنز وافتعلت مشاكل واستمر قطاع الهدر ينمو على سجيته. لم يحصل ذلك في دول مجاورة الا في العراق. حيث بلغ ما أنفقته الدولة على الكهرباء منذ 2003ما يزيد على 80 مليار دولار، ولا يزال انقطاع التيار أحد أسباب التظاهرات الاحتجاجية في هذا البلد. لماذا هذا التشابه بين العراق ولبنان، علماً انه بمقاييس النسبية يتفوق لبنان على شقيقه العراقي في الهدر الكهربائي.

 

هل هو الانتماء إلى المحور ذاته ينتج هذا النوع من السلطات الجائعة؟ أم ان عدوى الجشع تتحور وتنتشر مثل كورونا في بلاد الشام والرافدين من دون لقاح مجدٍ؟ الخلاصة ان المصيبة هي نفسها، والفارق ان جميع وزراء الطاقة الثمانية الذين تناوبوا على وعد العراقيين بالتيار جمعوا ما تيسر وغادروا البلد، بينما لا يزال وزراء الطاقة عندنا يمارسون ادوارهم، بالأصالة والنيابة. يقيمون بيننا موفوري الحماية. فالفرق بين العراق ولبنان ان شبكات الفساد اللبنانية لا تزال أعرق وأكثر دراية بإحالة كسب الثروات إلى ما يأتيها “من فضلِ ربي”. وهي لم تستحق شعار “كلّن يعني كلّن” صدفة. ففي هذا البلد الكل ممن هم في السلطة، يحمي الكل ممن جرّبها ويحاول استعادتها.

 

خلال عامين (2015-2017) بنت سيمنز الألمانية محطات في مصر، تلوح أعمدتها الضخمة في ضواحي العاصمة الإدارية، تنتج 14440ميغاوات. تمويل المشروع وفرت جزءاً منه سيمنز التي قصدت لبنان بعد ذلك بعام وخرجت شبه مطرودة، لأن معلم الكهرباء اللبناني لم يشم لحسة ممكنة في العرض الألماني، فاكتفى بالحصة التركية ولا يزال.

 

ومن لبنان ذهبت الشركة الألمانية إلى العراق. البعض يتحدث عن تقدم في عملها والبعض الآخر يتوقع لها ان تقع في ما وقعت فيه الشركة الاميركية التي سبقتها. فالمسألة ان اصحاب القرار هناك كما هنا تعميهم المصالح الخاصة. والبعض يختصر الرواية بضرورة اضافة 35 إلى 50 في المئة على الفواتير لتسير الأمور. لأبناء المصلحة هنا طريقتهم ولأبناء الرافدين طريقتهم، والأسباب نفسها ستنتج الحصيلة نفسها، فلا مجال للاستغراب.