باخرة الديزل التي وصلت منذ نحو أسبوعين لا تزال غير قادرة على تفريغ حمولتها، بانتظار حسم الخلاف بين الشركة المصنعة للمعامل والشركة الفاحصة للمواصفات. الانتظار وحده يكلف الخزينة نحو مليوني دولار. لكن إلى حين حل الخلاف، فإن باخرة الشركة الكويتية بدأت بتفريغ حمولتها، ما سمح بإعادة تشغيل معمل الزهراني، تمهيداً لرفع مستوى التغذية بشكل طفيف. حُلّت المشكلة في الوقت الراهن، لكنها ستعاود الظهور مع كل محطة. إذا لم يكن السبب تأخر التفريغ، فسيكون تأخر فتح الاعتمادات، وإن لم يكن كذلك، فسيكون بسبب عدم القدرة على صيانة المعامل. ولذلك، فإن كل فرحة بتحسن التغذية لن تكتمل، ما دام شبح العتمة يسيطر على القطاع!
لا جداول توزيع للتيار الكهربائي تصمد أمام المشكلات التي تواجه القطاع وتنعكس على التقنين. اليوم يتحسن وغداً يتراجع. لكن أقصى الأماني الحفاظ على معدّل التقنين الروتيني، والذي هو قاس أصلاً. خلال الاسبوع المنصرم بالكاد وصلت التغذية خارج بيروت إلى 8 ساعات يومياً، بينما لم تزد في بعض المناطق على 4 ساعات. حتى في بيروت لم تزد على 12 ساعة. المشكلة الأكبر أن هذا الفارق يُغطّى من قبل المولدات الخاصة، وتلك خسارة مزدوجة: لمصرف لبنان الذي يضطر إلى دفع كلفة أكبر على الوقود (كلفة تشغيل المولدات أعلى من كلفة تشغيل معامل الكهرباء) وللمشتركين الذي ارتفعت فاتورتهم بشكل كبير، أولاً بسبب ازدياد ساعات القطع، وثانياً بسبب ارتفاع كلفة الكيلوواط (قاربت ألف ليرة، بعدما كانت منذ أشهر قليلة 300 ليرة).
هل حُلّت المشكلة؟ المشكلة الأخيرة، أي توقف معمل الزهراني عن العمل، يفترض أنها حلّت. فالباخرة الكويتية التي كانت عالقة في قناة السويس وصلت إلى بيروت، وفرّغت جزءاً من حمولتها في معمل الزهراني (يُفترض أن يكون قد أعيد تشغيله، على أن يرتفع إنتاجه خلال الأيام المقبلة)، ثم انتقلت أمس إلى الشمال لتفريغ باقي الحمولة لزوم تشغيل معمل دير عمار.
مصرف لبنان يحرّر بعض الدولارات للكهرباء
للتذكير، فإن إطفاء معمل الزهراني لم يكن ناتجاً عن تأخر هذه الباخرة حصراً. باخرة أخرى كانت وصلت إلى الزهراني منذ أسابيع، لكنها حتى اليوم لم تُفرغ حمولتها، بسبب خلاف مستجد على مواصفات المازوت، بين شركة «سيمنز» (صانعة التوربينات) وشركة Bureau Veritas (المسؤولة عن فحص العينات قبل التفريغ). ذلك الخلاف لم يسبق أن حصل، خلال 15 عاماً، هي مدة العقد بين الدولة اللبنانية وشركتي «سوناطراك» و«النفط الكويتية» لتزويد المعامل بالفيول أويل والديزل أويل. لكن بما أن الشحنة العالقة هي الشحنة الأخيرة التي تورّدها الشركة الكويتية، فقد لجأت وزارة الطاقة إلى العقود الفورية (Spot Cargo) لتعويض النقص في هذه المادة، أسوة بما يحصل مع مادة الفيول أويل. هنا طالبت «سيمنز» بتغيير طريقة الاختبار التي كانت متبعة طيلة السنوات الماضية. لا أحد يملك الجواب عن سبب هذا التغيير. لكن النتيجة كانت تأخر التفريغ، وبالتالي إطفاء المعمل. وبالرغم من أنه كان بإمكان وزارة الطاقة وكهرباء لبنان تفريغ الحمولة، نظراً إلى الضرر البالغ الذي يُسبّبه التأخير، إلا أن الطرفين أصرّا على الالتزام بدفتر الشروط، الذي يفترض أن تحدد الشركة الصانعة مواصفات الفيول. الشركة الفاحصة أعلنت عدم إمكان تطبيق طريقة الفحص التي تريدها «سيمنز». وبعدما كانت «كهرباء لبنان» قد سعت إلى إنهاء الخلاف بين الطرفين من خلال مراسلات عديدة، من دون نتيجة، تمَّ مؤخراً عقد اجتماعين عبر الفيديو بين الشركتين، لكنهما لم تتوصلا إلى أي اتفاق، إذ تمسّك كل طرف بوجهة نظره. لكن في النهاية، أشارت الشركة الألمانية إلى أنها تريد إجراء دراسة شاملة للعينة، وطلبت من أجل ذلك، نحو سبعة فحوصات جديدة، يفترض أن ترسل «كهرباء لبنان» نتيجتها اليوم إليها. هذا يعني أن الباخرة التي مرّ نحو ثلاثة أسابيع على رسوّها أمام الشاطئ اللبناني من دون أن تتمكن من تفريغ حمولتها، قد تتوقف لأسبوع إضافي، مع ما يعنيه ذلك من خسائر على الخزينة تقدر بنحو مليوني دولار (بدل رسوّ الباخرة).
ألف ساعة عمل فقط تفصل الزهراني عن الصيانة الشاملة
مع افتراض أن مسألة الشحنات الفورية قد حلّت، فهل سيؤدي ذلك إلى استقرار عمل المعملين الأكبر في لبنان؟ أغلب العاملين في القطاع يعتبر أن ذلك صار من الماضي. المشكلة الأبرز هي مشكلة الاعتمادات التي لم تُحلّ بعد. وهذه ستؤثر مباشرة على المعملين عندما يحين موعد الصيانة الشاملة لهما. كانت الشركة المشغّلة، أي «برايم ساوث»، قد طلبت 60 مليون دولار طازج و15 مليون «لولار» لكي تتمكن من تشغيل المعملين، من بينها، على ما أشارت، نحو 40 مليون دولار لإجراء الصيانة الشاملة (تنفّذ كل 40 ألف ساعة تشغيل)، وتوافق بالتالي على تمديد العقد. لكن بالرغم من موافقة الشركة على تخفيض المبلغ المذكور، وبالرغم من حث وزارة الطاقة للمصرف على أن يحدد هو المبلغ الذي يمكن أن يخصصه لدعم القطاع، ظلّ «المركزي» على موقفه الرافض لأي التزام زمني. ووفق هذه القاعدة، تشير المعلومات إلى أن المصرف أبلغ وزارة الطاقة أنه سيدفع هذا الأسبوع مبلغاً لتسيير أمور القطاع في الفترة القصيرة المقبلة، من دون أن يحدد قيمة المبلغ. هذا المبلغ يفترض أن يوزع على قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع، التي يشير المعنيون إلى أنها بحاجة ماسة إلى الدولارات لتتمكن من العمل، لكنه حكماً لن يسهم في تلبية حاجات الكهرباء المقدرة بنحو 300 مليون دولار. أما أخطر المنتظر فهو توقف معملي دير عمار والزهراني نتيجة عدم القدرة على صيانتهما. وقد علمت «الأخبار» أن الكشوفات التي أجرتها شركة «سيمنز» على المعملين، اللذين يؤمّنان أكثر من نصف الطاقة الانتاجية لكل المعامل، أظهرت أن معمل الزهراني قادر على العمل 1000 ساعة إضافية فقط قبل الحاجة إلى الصيانة، فيما دير عمار قادر عل الإنتاج لنحو 2000 ساعة عمل إضافية قبل الصيانة. وهذا يعني أمراً من ثلاثة: إما تأمين كلفة الصيانة، وهذا يبدو متعذراً بالنظر إلى الوقائع المتوافرة، أو إطفاء المعامل، أو إجراء صيانة جزئية تستطيع أن تؤخر الصيانة الشاملة. الخلاصة التي يؤكدها عاملون في القطاع أنه في حال لم يطرأ أي تطور إيجابي، فإن المعملين سيكونان أمام الإطفاء الكامل… عاجلاً أو آجلاً.