واحد من أبواب الإنفاق الأساسية في الموازنة، بعد خدمة الدين العام والرواتب والأجور ، هو دعم أسعار الكهرباء. ولذلك، تعكف الحكومة على إعداد خطة للتعامل مع قطاع الكهرباء الذي يكلّف المشتركين غالياً بسبب «الفاتورتين»، وتمهيداً للتخلي عن دعم الأسعار (أي زيادة التعرفة بذريعة إلغاء فاتورة المولدات). فالخطة الحالية تحتاج إلى تعديلات جوهرية، وخاصة بعد الأزمة غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، وعدم حسم مسألة معمل «دير عمار 2»… أفكار عديدة تُطرح في هذا السياق؛ أبرزها التفاوض المباشر مع مصنّعي التوربينات. لكن في المقابل، فإن ثمة من عاد ليدعم «لامركزية الإنتاج»، بما يسمح لكل منطقة بإيجاد مصدر خاص بها.
سيكون وزير الطاقة ريمون غجر مدعوّاً غداً لحضور اجتماع لجنة الأشغال النيابية. أعضاؤها يريدون أن يعرفوا منه ما هي خطته لمواجهة تراجع الجباية وزيادة الهدر في الكهرباء، إضافة إلى توجهاته المستقبلية في قطاعات الإنتاج والتوزيع والنقل. بالمحصلة، عليه أن يحمل الإجابة بشأن الخطة المنوي اعتمادها من قبل وزارة الطاقة. هل سيُستكمل العمل على تنفيذ الخطة التي أقرتها الحكومة السابقة، وتبنّتها الحكومة الحالية، أم أن لديه مقاربة جديدة؟
الخطة كما أقرت صارت غير قابلة للتنفيذ في أجزاء كبيرة منها. الانهيار المالي قلب الموازين. الجباية تراجعت بشكل كبير والهدر غير الفني عاد ليرتفع، فيما تواجه كهرباء لبنان مشكلة جدية في تأمين الأموال للمورّدين أو تأمين قطع الغيار أو دفع مستحقات البواخر التركية أو متعهدي الصيانة، بسبب رفض مصرف لبنان تأمين حاجتها من الدولارات. في الإنتاج ليس الوضع أفضل. أحد أعمدة الخطة تعرّض لانتكاسة. فبعدما كان يفترض أن تنطلق أعمال بناء معمل دير عمار 2 مع بداية هذا الشهر، لا تزال المفاوضات دائرة بين رجل الأعمال علاء خواجة، المساهم الأكبر في الشركة التي ورثت المشروع من شركة يونانية فازت بالمناقصة، وحالت الخلافات بين حركة أمل والتيار الوطني الحر دون مباشرتها تنفيذ الأعمال. ومن المنتظر أن تتضح نتيجة المفاوضات في غضون أيام.
بالنتيجة، قد يتطلب معمل «دير عمار 2» إعادة طرح مناقصة جديدة. وهذه ستكون شروطها مغايرة. بحسب ما هو متوقع، فإن المشروع، ليعود إلى الحياة، لا بد من أن يخضع تلزيمه لشروط البنك الدولي. تلك هي الآلية الوحيدة لضمان الحصول على التمويل. لكن بحسب مصادر مطلعة، فإن للبنك ثلاثة شروط: تعيين مجلس إدارة لكهرباء لبنان، تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع وزيادة التعرفة. تعيين مجلس الإدارة يؤخّره الخلاف السياسي على أسماء الأعضاء، والهيئة الناظمة يؤخرها الخلاف على صلاحيات الهيئة المحددة في القانون 462 لعام 2002، والذي سبق أن قدّم تكتل لبنان القوي اقتراحاً لتعديله، ولم يعرض على اللجان النيابية بعد بسبب الخلاف بشأنه. التيار الوطني الحر يصرّ على أن تكون تركيبة الهيئة شبيهة بتركيبة هيئة إدارة قطاع النفط، لناحية وصاية وزير الطاقة عليها. بالنسبة إليه إن القانون المذكور لم يعد صالحاً للتنفيذ، لأنه يعطي الصلاحيات للهيئة ويضع المسؤولية على عاتق الوزير. في خلفية النقاش خلاف على الصلاحيات. هل تكون تحت وصاية وزير الطاقة أم رئيس الوزراء؟ النقطة الثالثة، أي رفع التعرفة، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بزيادة الإنتاج. وتلك قضية لا يبدو أن حلها قريب. للتذكير، فإن الخطة «الميوّمة» التي أقرت في عام 2018، لم ينفّذ أي شي منها، في الشق المتعلق بزيادة الإنتاج. وللتذكير أيضاً، فإن الخطة تنقسم إلى قسمين: مؤقت ودائم. في اللجنة الوزارية التي شكلت حينها، مالت الأغلبية إلى رفض الحل الموقت لارتفاع كلفته ولعدم جدواه، قبل أن تعود الحكومة فتقرّ، في اجتماعها الأخير، دفتر شروط مناقصة معملَي سلعاتا والزهراني بما يتجاوب مع رأي وزارة الطاقة.
لكن مرة جديدة، جاء الرفض من إدارة المناقصات، التي رأت أن لا لزوم للمرحلة الموقتة. اعتبرت حينها أن ذلك، بالتوازي مع الإسراع في الحلول الدائمة لتأمين الطاقة، يوفّر ما لا يقل عن مليار و50 مليون دولار أميركي.
«الاشتراكي» و«القوات» و«أمل» يدعمون لامركزية الإنتاج
الجديد في ما يتعلق بمسألة الإنتاج هو إحياء طرح «لامركزية الإنتاج». أكثر المتحمّسين لهذه الخطوة هم «القوات» و«الاشتراكي»، تليهما كتلة التنمية والتحرير التي دعت في أكثر من مناسبة إلى «زحلنة المحافظات» في المرحلة الموقتة، في إشارة إلى اعتماد نموذج كهرباء زحلة (تغذّي المنطقة عبر شراء الطاقة من كهرباء لبنان بسعر 83 ليرة للكيلو واط، فيما تؤمن باقي حاجتها عبر مولدات بقدرة إجمالية تصل إلى 60 ميغا واط). حجة هؤلاء أنه يمكن لهذا الخيار أن يستقطب مستثمرين أكثر نظراً الى انخفاض قيمة الاستثمار، بالمقارنة مع المعامل الكبيرة، كما يمكن أن يتفادى إشكاليات شبكة النقل. لكن في المقابل، فإن هذا الاقتراح يؤدي إلى تعزيز فكرة الحلول المجتزأة والمناطقية، كما يزيد من استهلاك المازوت بدلاً من الوقود الأقل تلويثاً المستعمل في المعامل، أضف إلى عملية نقل المازوت ستزيد حركة السيارات المحمّلة بالخزانات على الطرقات (كل باخرة تحمل 30 ألف طن بحاجة إلى نحو 2000 سيارة شحن لنقلها)، بما يرفع من كلفة الكيلو واط ويزيد من استهلاك البنية التحتية. وإضافة إلى ذلك، فإن فاتورة كهرباء زحلة هي في الواقع دمج لفاتورتين، ما يعني ارتفاع أسعارها مقارنة بفاتورة كهرباء لبنان.
ذلك التوجه ليس جديداً، لطالما طُرح على وزارة الطاقة، ولا سيما في عهد الوزير سيزار أبي خليل. حينها كان الاقتراح بأن يتم تركيب 30 معملاً صغيراً، بقدرة 50 إلى 60 ميغا واط للمعمل في مختلف المناطق، بدلاً من إنشاء معامل ضخمة. لكن تبيّن للوزارة أن هذا الاقتراح أكثر كلفة مالياً وبيئياً، فتمّ صرف النظر عنه.
من الأفكار المطروحة أيضاً استبدال المناقصات باستدراجات العروض، بحيث يتم استدعاء الشركات المصنّعة للتوربينات، وهي محدودة في العالم، لتقديم أسعارها، تمهيداً للتفاوض مع صاحبة السعر الأفضل، والتي يتوقّع أن لا يكون صعباً حصولها على التمويل.