الانقسام بين أقطاب السلطة حول الكهرباء يُؤكّد وجود مشكلة حقيقية يتطلب حلّها
التشبث بإدارة وزارة الطاقة على النحو السائد حالياً لم يعد ممكناً على الإطلاق ولا يمكن أن يتلاءم مع أي خطة للمعالجة
الانقسام بين أقطاب السطة الواحدة ومكوناتها على حل مشكلة الكهرباء المزمنة، لا يؤثر على تأخير التوصّل إلى الحلول المطلوبة التي تضع حداً لمعاناة اللبنانيين من هذه لمشكلة المستعصية وتوقف استنزاف خزينة الدولة فقط، بل ينعكس سلباً على الخطط التي تعدها الحكومة مع المؤسسات المالية الدولية للمساعدة في حل المشكلة المالية والاقتصادية المعقدة التي تواجه لبنان حالياً.
ويلاحظ في هذا الصدد المواقف المتباينة والاعتراضات على استمرار إدارة قطاع الطاقة بمجمله والمطالبة الحثيثة والتي تكاد تكون شبه يومية للإسراع في وضع حدٍ لإدارة هذا القطاع كما كان في السنوات الماضية وحث الجميع على تغيير أسلوب وطريقة الأداء السائدة، تجنباً لمزيد من الخسارة التي يتكبدها لبنان بشكل متزايد.
وهذه المطالبة لا تأتي من أطراف سياسيين من خارج السلطة والتركيبة الحكومية الجديدة فقط، بل من داخل التركيبة نفسها ولا سيما من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي وأعضاء بارزين من كتلته النيابية يحذرون من مخاطر استمرار مشكلة الكهرباء على حالها ويقدمون مقترحات عديدة للنهوض بالقطاع ككل من جديد، في حين تتزايد الانتقادات من أطراف سياسيين خارج السلطة من استمرار فريق رئيس الجمهورية الرئاسي بالهيمنة على ملف الكهرباء والطاقة من كل جوانبه ويطالبون بإلحاح للمباشرة فوراً بوضع حدّ جذري وسريع لهذه المشكلة المعقدة تفادياً للأسوأ.
ولكن في المقابل، يبدو الفريق الرئاسي مُصراً على إدارة وزارة الطاقة والكهرباء حسب سياسته وخططه الموضوعة سابقا، ورافضا كل الاقتراحات والمطالبات لتبديل هذه السياسة التي لم تؤدِ طوال السنوات العشر الماضية إلى النهضة بهذه الوزارة نحو الأفضل، بل على عكس ذلك، تراجعت بشكل ملحوظ التغذية بالتيار الكهربائي لكافة المناطق على نحو ملحوظ وهي بتراجع ملحوظ خلال الأشهر الماضية، ما يدل على الفشل الذريع لهذه الوزارة والادارة الخاطئة عمداً أو عن غير عمد لقطاع الطاقة كلّه.
وبالرغم من كل المواقف والتصريحات التي يطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون ويكررها بشكل شبه يومي عن عزمه وإصراره على مكافحة الفساد في مختلف إدارات ومؤسسات الدولة، يلاحظ ان عملية مكافحة الفساد لا تشمل وزارة الطاقة والكهرباء ولا تمر فيها أو تلامسها وكأنها مستثناة من هذه العملية أو مشمولة بالحماية الرسمية بالرغم من كل ما يكتنف بإدارتها من شبهات واتهامات بهدر واستنزاف مليارات الدولارات منذ تسلم فريق «التيار الوطني الحر» إدارة هذا المرفق الحيوي والمهم على مدى أكثر من عشر سنوات متتالية ولم ينافسه بادارته أي طرف أو فريق سياسي آخر، في حين لم يحقق بإدارته أي إنجاز يعتدُّ به، وبقيت كل وعود رئيس «التيار الوطني الحر» عندما كان وزيراً يتولى إدارة هذا المرفق بشكل مباشر، وعوداً هوائية ولا سيما وعد للبنانيين بتوفير التيار الكهربائي 24 ساعة يومياً حلول العام 2015.
ولا شك ان تشبث «التيار الوطني الحر» بتولي وزارة الطاقة والكهرباء في كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ العام 2010، ورفضه المطلق لتولي أي طرف سياسي آخر لهذه الوزارة مهما كانت الظروف، يزيد من الشكوك والشبهات بوجود إدارة مريبة تستفيد من مقدرات هذه الوزارة المالية الكبيرة، ولذلك ترفض كل المقترحات والمشاريع التي تؤمن حلولاً جذرية لمشكلة الكهرباء المستعصية، أكانت من الداخل أو القروض الميسرة من الصناديق العربية أو الدولية، ومن خلالها يتم توفير مبالغ مالية طائلة على خزينة الدولة وتضع حداً نهائياً لمعاناة اللبنانيين من أزمة النقص في التيار الكهربائي والتخلص من التزود بالتيار بواسطة المولدات الخاصة التي تستنزف جيوبهم باستمرار كذلك.
فاعتماد «التيار الوطني الحر» على سياسة التهجم على كل من يتطرق إلى مشكلة الكهرباء أو يطرح حلاً لها، لم تعد مجدية ولا تفيد في تبرئة هذا الفريق من الفشل الذريع في إدارة هذا القطاع وهدر الأموال التي تذهب إلى جيوب مافيات الفيول والمولدات وغيرها، بل تطرح مزيداً من الشكوك والشبهات وغيرها، لأنه من غير المعقول الاستمرار في سياسة التهرب ومراكمة الفشل التي لم يعد ممكناً تبريرها على الإطلاق، بل يجب مقاربة هذه المشكلة بموضوعية وبعيداً عن كل العصبيات والخلافات السياسية وتصفية الحسابات الخاصة لأنها مشكلة تهم كل النّاس واستمرارها يضرُّ البلد كلّه وإن كان فريق محصور يستفيد من بقائها على حالها كما هي الآن.
فإذا كانت إدارة هذه الوزارة سليمة وبعيدة عن الشبهات، لكانت نجحت بتأمين التيار الكهربائي ولو بنسبة معقولة للبنانيين في السنوات الماضية من جهة ولأتيحت الفرصة امام مؤسسات الرقابة والتفتيش لإجراء مكاشفة حقيقية تتركز على كيفية سير أعمالها والاطلاع عن كثب على المبالغ الطائلة التي صرفت عليها.
ولكن كل هذه الأمور لم تحصل، فلا النهوض بالقطاع قد تحقق وبقيت وتيرة إدارة هذه الوزارة على حالها، والتراجع في التغذية بالتيار الكهربائي متواصل نحو الأسوأ.
لذلك، فإن التشبث بإدارة وزارة الطاقة على النحو السائد حالياً لم يعد ممكناً على الإطلاق ولا يمكن ان يتلاءم مع أي خطة تضعها الحكومة اللبنانية لحل الأزمة القائمة من جهة ولا مع الجهود المبذولة من الهيئات المالية الدولية لمساعدة لبنان على تجاوز ازمته وحل كل المشاكل المرتبطة بها والكهرباء تشكّل المدخل الأساس لحلها، وهذا يعني بأن زمن «المسايرة» و«التعمية» عن الارتكابات في الكهرباء أصبح تحت المساءلة الحقيقية.