عبثاً محاولات وزارة الطاقة للإلتفاف على الشروط الإصلاحية التي يفرضها البنك الدولي. لا كهرباء إذا لم تحترم تلك المطالب وفي طليعتها تصحيح التعرفة وإنشاء الهيئة الناظمة. أمّا غير ذلك فسيكون بمثابة الدوران في حلقة مفرغة والتذاكي على اللبنانيين من خلال إقناعهم بأنّ لبنان قام بواجباته، ورمى الطابة في ملعب البنك الدولي. ولهذا يبدو أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومعه وزير الطاقة وليد فياض، وقبلهما مؤسسة كهرباء لبنان، اقتنعوا بأنّه لا مفرّ من رفع التعرفة. ولكن متى القرار؟ وهل سيصيبه ما أصاب الدولار الجمركي الذي سبق ووافق عليه وزير المال يوسف خليل، ليعود ويتراجع عن موافقته؟
وفق نصّ القرار الصادر عن مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/8/2022، فإنّ «المعدّل الوسطي لسعر مبيع الطاقة الكهربائية محتسب بحوالى 27 سنتاً لكل كيلوواط/ ساعة، على أن يحوّل على أساس سعر الصرف على منصة صيرفة، بعد موافقة مقام مجلس الوزراء وجانب وزارة الطاقة والمياه وجانب وزارة المالية على ذلك، وتعدّل التعرفة كلّ شهر أو شهرين بحسب السعر الوسطي على منصة صيرفة وبحسب كلفة الإنتاج الحقيقية المعتمدة على سعر النفط العالمي (وفق سعر برميل النفط، على أن يتمّ اعتمادcorrection factor لأسعار الطنّ من كلّ من مادتي الفيول أويل والغاز أويل مقارنة بسعر طنّ برميل النفط Brent في حال لزم الأمر)، وفق معدل الشهر أو الشهرين الماضيين (الفترة السابقة)، على أن تؤخذ في الإعتبار لاحقاً الكلفة التشغيلية للامتيازات، وفق الأسس التالية:
– أن تقوم الدولة اللبنانية بتسديد كامل كلفة شراء النفط العراقي، والمقدّرة قيمته السنوية بحوالى 460 مليون دولار أميركي (على أساس 110 دولارات لبرميل النفط) ما يعادل 11,5 ألف مليار ليرة لبنانية محتسبة على سعر الصرف على منصة صيرفة، وليس من حساب مؤسسة كهرباء لبنان.
– أن يتمّ تسديد فواتير الطاقة الكهربائية المستهلكة من قبل الإدارات والمؤسسات العامة بشكل شهري، والمقدّرة قيمتها بحوالى 200 مليون دولار أميركي في السنة، ما يعادل 5 آلاف مليار ليرة لبنانية محتسبة على سعر الصرف على منصة صيرفة.
وبالتالي في حال عدم التقيّد بالشروط المذكورة أعلاه… إبلاغ مقام مجلس الوزراء وجانب وزارة الطاقة والمياه بأن ذلك سيؤدي حكماً إلى رفع إضافي لسعر مبيع الطاقة الكهربائية، وزيادة حوالى 10 سنتات لكل كيلوواط /ساعة، المحتسب على أساس سعر الصرف على منصة صيرفة من أجل تأمين التوازن المالي للمؤسسة».
وفق النظام الداخلي لمؤسسة كهرباء لبنان، فإنّ المؤسسة هي صاحبة الصلاحية في اتخاذ قرار رفع التعرفة وتتمّ المصادقة عليه من وزير الطاقة وموافقة وزير المال، ولكن لاعتبارات سياسية تدخّل مجلس الوزراء أكثر من مرّة لتبنّي قرار رفع التعرفة، منها في العام 1994، حين تمّ تثبيت تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان عند شطور تبدأ من 138 ليرة للكيلوواط/ ساعة، ومنها في العام 2017 حين جرى أيضاً رفعها. ولهذا، أحال مجلس إدارة المؤسسة قراره إلى رئاسة مجلس الوزراء من باب تأمين غطاء سياسي إزاء قرار سيتعرض لموجة انتقادات شعبية كبيرة.
وعلى هذا الأساس أيضاً، قد يصار إلى توسيع إطار التواقيع التي ستذيّل القرار، بدءاً برئيس حكومة تصريف الأعمال مروراً بوزير الطاقة وصولاً إلى وزير المال. ولهذا السبب عقد مساء يوم الاثنين اجتماع مطوّل امتدّ لأكثر من ثلاث ساعات لمناقشة هذا القرار الذي بات على نار حامية ويفترض أن يخرج للعلن خلال أيام لا أكثر.
إذاً، القرار متّخذ ولكنّ وضعه موضع التنفيذ لا يزال قيد النقاش ويخشى أن يلحق به ما لحق بالدولار الجمركي من تأجيل خشية من نقمة شعبية، لا بل ثمة من يقول إنّ خصوم رئيس الجمهورية يفضّلون عدم تسليفه إقرار هذا الشرط الإصلاحي ولو كان غير شعبي، وقد يعمدون إلى تأجيل البتّ رسمياً بالقرار إلى ما بعد 31 تشرين الأول لكي لا يسجّل في رصيده إنجاز تصحيح التعرفة… ولعلّ هذا ما يفسّر تمهّل وزير المال في وضع توقيعه على القرار قبل إحالته إلى وزير الطاقة ومن ثمّ رئاسة الحكومة.
ومع ذلك فإنّ تنفيذ القرار دونه عقبات كثيرة وأهمها الهدر غير الفني، أي التعدّي على الشبكة والإمتناع عن سداد الفواتير، الأمر الذي سيفرغ الخطوة الإصلاحية من مضمونها إذا لم تلبّ حاجات المؤسسة من الإيرادات لتأمين الفيول والغاز، وسيجعلها بلا أي جدوى خصوصاً إذا لم تتمّ مواكبتها على الأرض سواء من القوى السياسية، والأجهزة الأمنية والقضائية. وفي ظلّ تحلل الدولة وإداراتها، وتقاعس الموظفين عن الالتحاق بمراكز عملهم، فقد يظلّ القرار حبراً على ورق، وكيلاً بمكيالين.