رغم انّه لم يُعلن رسمياً بعد عن دخول لبنان في العتمة الشاملة، الّا انّ غالبية المناطق اللبنانية غارقة في الظلام مع توقف العدد الأكبر من أصحاب المولّدات عن تأمين الكهرباء نظراً لفقدان مادة المازوت من الأسواق باستثناء السوق السوداء. فيما مؤسسة كهرباء لبنان قد تعلن العتمة الشاملة اعتباراً من أيلول، اما كهرباء زحلة فقد حذّرت امس الأول من انقطاع كُلّي وشامل للكهرباء في غضون الساعات المقبلة.
لم يسلم أي قطاع من انقطاع الكهرباء ولا من فقدان مادة المازوت، فلبنان دخل اعتباراً من هذا الأسبوع بداية النهاية. وإلى جانب صرخة المستشفيات والافران والمصانع، انتقل الدور الى المؤسسات الخاصة التي تعاني بدورها من فقدان المازوت، فأوعزت غالبيتها الى موظفيها العودة للعمل من المنزل، خصوصاً مع عودة أزمة البنزين ومشهد طوابير السيارات أمام المحطات، مع العلم انّ التقنين في المنازل قائم أيضاً، ومن شأن ذلك ان يضرب مناخ الاعمال في لبنان، ولا سيما القطاع الخاص، ليكتمل بذلك مشهد الانهيار التام.
فقد شهدت نهاية الأسبوع الماضي انتقال أصحاب المولّدات من مرحلة التقنين الى مرحلة الإطفاء الكلي. وفي السياق، يقول رئيس تجمع أصحاب المولّدات عبدو سعادة لـ«الجمهورية»، انّ الوضع بات أسوأ من السيئ. فمنذ يوم السبت أُطفئت المولّدات الخاصة في بيروت والاشرفية، ويوم الاحد أًطفئت الجديدة وسد البوشرية والمنصورية وعكار وصيدا، وأمس توقفت المولّدات في مناطق الشحار وعاليه وجرد عاليه وعكار العتيقة وعين الرمانة، كذلك الانقطاع تام في طرابلس والبقاع الشمالي وكهرباء زحلة، الضاحية والنبطية…
وأشار سعادة الى انّ المولّدات التي لا تزال قادرة على تأمين التغذية باتت تعتمد التقنين في النهار وتؤمّن تغذية من الساعة السابعة مساء الى الأولى او الثانية فجراً، ورغم ذلك فإنّ هؤلاء أيضاً سيطفئون مولّداتهم في الأيام المقبلة، فلا مناطق افضل من غيرها ولا استثناء، لأنّ المازوت غير متوفر وبالتالي، المولّدات التي ينتهي مخزونها تنطفئ.
وطالب سعادة الأجهزة الأمنية البدء بحملة للكشف على خزانات التجار المخبأة تحت الأرض، الذين يحتكرون هذه المادة ويبيعونها في السوق السوداء.
تغذية مؤسسة «الكهرباء»
الوضع في مؤسسة كهرباء لبنان ليس افضل. فقد اعتبرت مصادر متابعة في المؤسسة لـ«الجمهورية»، انّ «سياسة التقنين التي تتبعها المؤسسة أخّرت قدر المستطاع دخول لبنان في عتمة شاملة كانت متوقعة منذ اشهر، لكن في حال لم تُتخذ أي إجراءات سنصل اليها لا محالة». وأشارت الى انّ ساعات التغذية التي تؤمّنها حالياً تتراوح ما بين 5 الى 6 ساعات بوتيرة تقنين ثابتة حتى الساعة، لافتة الى انّه حتى الأسبوع الماضي كانت المؤسسة تنتج 830 ميغاوات، الّا انّها عادت وخفّضت الإنتاج الى ما بين 760 و 750 ميغاوات اعتباراً من هذا الأسبوع، وذلك بهدف التوفير لإطالة امد التغذية قدر المستطاع، على ان تتراجع تدريجياً تباعاً لتصل الى 650 ميغاوات ولاحقاً الى 550 ميغاوات، وهو الحدّ الأقصى الذي يمكن انتاجه، إذ بأقل من ذلك تتوقف الشبكة عن الإنتاج. وأشارت الى انّ أموال السلفة تنتهي أوائل أيلول المقبل، ولا يمكن بالإمكانات المتوفرة تأمين التغذية ولو بحدّها الأقصى اكثر من شهر، على ان يدخل لبنان بعدها في العتمة الشاملة اذا بقيت الأمور على حالها ولم تطرأ أي اعطال.
وأكّدت المصادر، انّ هناك صعوبة في إجراء تصليحات للأعطال، خصوصاً وانّ مصرف لبنان لم يقدّم أي ليرة للمؤسسة لزوم صيانة او قطع غيار او مواد استهلاكية منذ حوالى 4 اشهر. وعن تأثر التغذية برحيل البواخر المتوقع في أيلول، قالت المصادر: «انّ الفيول غير متوفر أصلاً لتشغيل البواخر، عدا عن انّ المؤسسة لديها كل الإمكانيات لرفع الإنتاج الى 2000 ميغاوات خلال ساعات، انما كيف السبيل الى ذلك ومصرف لبنان لم يفتح اعتمادات لشراء الفيول او قطع الغيار؟».
وعن الحلول المطروحة للأزمة، تقول المصادر، انّ مؤسسة كهرباء لبنان أبلغت الحكومة ومصرف لبنان ووزير الطاقة انّ لدى المؤسسة فائضاً من الأموال يكفي لشراء 4 بواخر فيول وفق سعر الصرف الرسمي، وقد طلبت من المركزي استخدام الاموال لمدّ المؤسسة بحاجتها من الفيول. وأوضحت انّه لا يمكن للمؤسسة ان تشتري الدولار من السوق السوداء، لأنّها مؤسسة عامة محكومة بقانونين: قانون النقد والتسليف وسعر الصرف الرسمي. وبالتالي، اذا قبل مصرف لبنان فتح مناقصة بأموال المؤسسة لشراء الفيول، يمكن بعدها ان تتمدّد فترة التغذية وتتأجّل العتمة الشاملة المتوقعة الشهر المقبل. أي باختصار، اذا أمّن مصرف لبنان أموالاً للمؤسسة تستكمل الإنتاج، وإذا أحجم عن ذلك فلا كهرباء.
ورداً على تحميل بعض الأحزاب مسؤولية الحؤول دون السماح بإعطاء سلفة للمؤسسة، قالت المصادر: «انّ المؤسسة ليست بحاجة الى سلفة ولم تطلبها أصلاً، انما هي تعرض دفع ثمن شحنة الفيول لمصرف لبنان، لأنّه الجهة الوحيدة المخولة بفتح اعتماد لشراء الفيول».
وفي السياق نفسه، استغربت المصادر إقدام مصرف لبنان على دفع 700 مليون دولار من الاحتياطي ثمن مازوت، بينما لم تنل المؤسسة فلساً خلال شهر آب، في مقابل 120 مليوناً خلال شهر تموز و48 مليوناً خلال شهر حزيران و28 مليونا في أيار. فهل يُعقل صرف 700 مليون دولار على استيراد المازوت والبنزين بينما لا تُعطى المؤسسة القادرة على تأمين التغذية لكل لبنان أكثر من 82 مليوناً، بما لا يشكّل أكثر من 10 الى 15% من المبلغ المعطى للمستوردين؟ لماذا الإعتراض على إعطاء 200 مليون دولار للمؤسسة، مع العلم انّه لا يمكنها قانوناً ان تؤمّن هذا المبلغ سوى عبر المصرف المركزي، لأنّه العميل المصرفي للدولة اللبنانية ومؤسساتها العامة، بينما يسمح بإعطاء 700 مليون دولار لمؤسسات خاصة يمكنها ان تؤمّن الدولارات من مصادر عدة؟ هل سأل احدٌ من النواب من اين تأتي الأموال للمستوردين؟ لماذا يجوز لهؤلاء الصرف من الاحتياطي الالزامي ولا يجوز للمؤسسة، التي اذا ما فُتحت الاعتمادات لها، فهي قادرة على رفع التغذية الى ما بين 12 الى 16 ساعة، وبالتالي إنّ عدداً غير قليل من المواطنين سيستغنون عن المولّدات، خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار انّ الطلب على المازوت زاد لأنّ التغذية تراجعت، فيعطون الأموال للمازوت ولا يعطونه للمؤسسة؟
كهرباء زحلة
في السياق نفسه، أطلقت شركة كهرباء زحلة صرخة امس، وطالبت رئاستي الجمهورية والحكومة وجميع المعنيين، بـ»التدخّل فوراً لتأمين المازوت، لأننا سنصل مُرغمين إلى انقطاع كُلّي وشامل للكهرباء في غضون 48 ساعة، وستكون الشركة ومشتركوها ضحايا التقاعس واللامبالاة ككل لبنان واللبنانيين». ولفتت في بيان، إلى أنّها استنزفت كل مخزونها من المازوت، وأصبح تأمين المازوت «مستحيلاً» و»لا توجد بوادر لحل قريب»، رغم «كل الجهود التي تُبذل واستعداد الشركة للتعاون مع جميع الموردين».
وأشار البيان، إلى أنّه «بعد 7 سنوات من التغذية المستدامة، ستغرق مدينة زحلة و16 بلدة مجاورة، أي 300 ألف مواطن، في العتمة الشاملة، ما يترك تداعيات لا يُمكن لأحد تحمّل عواقبها».